Site icon IMLebanon

في بوتين.. والأسد

الطريقة الشكلية الصادمة التي اعتمدها فلاديمير بوتين لإعلان قراره الخاص بسوريا، لا تغلب المضمون الزلزالي لذلك القرار. إلا أن الأمرين (الشكل والمضمون) يدلان على شخصية صاحب القرار، وعلى واقعيته التي لم تستطع الاستعراضات، تغطية صلابتها.

هذا رئيس برتبة زعيم، حريص على صورته وسمعته. وتلك مدروسة بعناية، واستوجبت جهداً كبيراً لتظهيرها كجزء اساسي وحيوي من الجهد المبذول لإعادة تظهير (وإحياء) صورة روسيا الفتية والقوية والعائدة، بعد ان أخذ الزمن شيخوخة «الاتحاد السوفياتي» الى كتبه وأقفل الباب عليها الى الأبد!

اثنان اصطدما بتلك الشخصية. واحد ارتكب خطأ (غير مقصود) وآخر ارتكب خطيئة. الأول رجب طيب اردوغان عندما اسقط طائرة «السوخوي» وجرح «كرامة» الصناعة العسكرية الروسية، وشوّه ببعض التلوين صورة الاحيائي الذي لا يجوز ان تمسّ.. فتصرف بوتين وكأن تركيا أسقطت قباب الكرملين نفسه! غير ان واقعية لجمت استعراضاته، ولم يُترجم الكلام الكبير والخطير الذي تلا تلك الواقعة، بأي شيء مواز. لا معركة كبيرة ولا صغيرة. ولا قطع للعلاقات الديبلوماسية وغير الديبلوماسية. ولا تعليق لأي مشاريع اقتصادية حيوية وكبرى!

لكن خطأ اردوغان لا يُقارن بخطيئة بشار الاسد، الذي افترض، تبعاً لغربته عن الدنيا وضيق خياراته، انه أهم لروسيا الصاعدة من كل مصالحها وعلاقاتها مع المجموع العربي والاسلامي الاكثري. ومن علاقاتها الدولية. ومن المنطق الذي يحكم اساساً صنّاع القرار في أي دولة تحترم نفسها.. وأنه هو الذي يقدم «خدمة» الى بوتين وليس العكس. وان على زعيم الكرملين ان يلحق به وبأجندته وليس ان يفرض عليه ما تمليه مصالح موسكو.. الضيقة!

وكثيرون غرقوا على مدى الساعات الماضية في التخمين والتبصير والتحليل لمعرفة الأسباب التي ادت بالرئيس الروسي الى اتخاذ قراره الصاعق والمزلّزل فيما بعض الجواب واضح ولا يحتاج الى كل ذلك الجهد. وهو يتعلق بأداء الاسد قبل غيره.. وفي ذلك، سُجِّلت اشارات سبّاقة كانت كافية لأن يستوعبها أي عاقل! ومنها عندما خرجت من الكرملين تعليقات مباشرة ترفض بحدّة ما قاله الغافل الاسدي عن استمرار المعركة وصولاً الى «الحسم العسكري». ثم عندما قيل له علناً من قبل الناطقة باسم الخارجية في موسكو، ومندوب روسيا في الأمم المتحدة بأن إعلانه عن إجراء «انتخابات» تشريعية في نيسان المقبل لا يندرج في سياق العملية التفاوضية التي وُضعت مع الاميركيين من أجل «الحل السياسي».

وفي الواقعتين، كان هناك الكثير من الاملاءات على الموهوم القابع في ركنه الدمشقي. والكثير الكثير من التوبيخ والتقريظ لإفراطه في اعتبار نفسه موازياً لمن حماه وسمح له بالاستمرار واقفاً على قدميه! ثم لافتراضه الاسوأ من ذلك، بأن بوتين «يشتغل» عنده بصفته أميناً لفرع «البعث» في موسكو!

وفي تتمة ذلك الأداء المتشاوف الذي يتخطى علناً التزامات بوتين وصدقيته الدولية و»صورته» المتعوب عليها، كان الكلام الذي قاله وليد المعلم عشية اجتماعات جنيف من ان «مصير الأسد خط أحمر» وليس من حق أحد التطرق الى هذا الأمر.. ثم التنغيمات الغليظة والثقيلة الدم التي خرجت من بشار الجعفري وفيها نسف لكل فحوى مفاوضات جنيف وشعار «المرحلة الانتقالية».

«شكل» القرار الذي اتخذه بوتين يرسّخ «صورته» الزعامية والقيادية ويدلّ على مدى غضبه الشخصي والكبير من الاسد وبطانته وكل أدائه. لكن المضمون يدل بالتوازي، على واقعية حسابات رجال الدول في رعاية مصالح دولهم وحفظها.. وهذا أمر (أو درس) لم يستوعبه الموهوم الذي اسمه بشار الاسد، مع أنه بديهة لا يغفل عنها تلميذ في مدرسة ابتدائية!