وصف الرئيس الأميركي جو بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالقاتل. اضطربت العلاقات بين موسكو وواشنطن نتيجة لذلك. وهي مضطربة في الأساس حول الملف النووي بين الدولتين، روسيا والولايات المتحدة. وكذلك حول العلاقة مع الصين منذ إطلاقها مشروعها الطموح: طريق الحرير الجديد. وتبادلت العاصمتان سحب السفراء. فهل ان بوتين هو قاتل فعلاً?
أثناء الحرب العالمية الثانية اجتاحت القوات الألمانية الاتحاد السوفياتي وحاصرت بالنار والتجويع مدينة سان بترسبورغ (ليننغراد سابقاً). أدى ذلك الى مقتل مئات الآلاف من سكان المدينة وضواحيها؛ كان الناس يأكلون لحوم الموتى من شدة الجوع والبرد. مع ذلك لم تستسلم القوات السوفياتية. فقد تصدّت للقوات النازية المهاجمة بضراوة. كان والد بوتين جندياً في الجيش السوفياتي. وبعد أسابيع من القتال في الجبهة، حصل على إذن لتفقّد عائلته في المدينة. عندما وصل الرجل الى شارع قريب من بيته رأى سيارة شحن عسكرية محمّلة بجثث المدنيين الذين قُتلوا تحت القصف. كانت الجثث مجموعة من الشوارع على عجل؛ ومتراكمة فوق بعضها دون تنسيق. وقف الرجل أمام الشاحنة كغيره من المواطنين المذعورين. وفجأة لاحظ في قدم جثة إمرأة حذاءً شبيهاً بحذاء سبق ان اشتراه هو لزوجته قبل أن يتوجه الى الجبهة. تقدّم من الشاحنة ليتفحص الجثة فمنعه العسكريون السوفيات. الا انه أبرز بطاقته العسكرية وأبلغ المسؤولين رغبته في التأكد من هوية جثة المرأة خوفاً من أن تكون زوجته. فسُمح له؛ ليكتشف انها بالفعل زوجته، أو كانت زوجته. وبناء لطلبه وإلحاحه، واحتراماً «لعسكريته»، نُقلت الجثة من الشاحنة وسُلّمت اليه لدفنها في مقبرة العائلة. أما بقية الجثث فجرى دفنها في مقبرة جماعية. في البيت اكتشف ان الجثة لا تزال تنبض ببعض من حياة. فسارع الى نقلها الى المستشفى، لتخرج منها بعد عدة أيام على قدميها.
في العام التالي حملت الزوجة، وأنجبت ولداً اسمه فلاديمير. انه الرجل الذي يحكم الكرملين الآن، وهو الذي وصفه الرئيس الأميركي بأنه « قاتل».
أما الرئيس جو بايدن فله قصة أخرى. هو من عائلة هاجرت من إيرلندا أثناء المجاعة التي ضربتها بسبب الحصار البريطاني عليها. امتهن والده بيع السيارات المستعملة في مدينة ديلاوير. وكان ابنه «جو» يساعده في العمل حتى خلال فترة دراسته في جامعة المدينة، ثم في جامعة «سيراكوز» التي تخرّج فيها من كلية الحقوق. ولكنه تخرّج بصعوبة بالغة. كان الأخير في لائحة الناجحين، وهو لم يُقبل في كلية الحقوق في جامعة «سيراكوز» إلا بشقّ الأنفس.
لم يسبقه الى البيت الأبيض سوى رئيس واحد كان بهذه المواصفات العلمية المحدودة والمتواضعة، هو رونالد ريغان. كان بايدن نائباً للرئيس باراك أوباما الذي تخرّج بتفوّق من جامعة هارفرد في الحقوق. وبسبب عمق ثقافته كان أوباما يفكر كثيراً قبل أن يتكلم. ومعروف عنه انه كان يتوقف حتى أثناء الكلام للتمعن فيما سيقوله، بخلاف بايدن الذي اختصر المسافة بين عقله ولسانه. وقد واجه بسبب ذلك مشاكل محرجة لم يخرج منها إلا بعد أن اضطر الى دفع ثمن معنوي مرتفع. أما الآن وفي مستهلّ عهده، فانه ليس مستعداً لدفع مثل هذا الثمن حرصاً منه على معنويات الرئاسة في زمن التحديات الكبرى. ثم انه بعد عملية أوكرانيا واستعادة موسكو لشبه جزيرة القرم، فان تهمة الرئيس الأميركي للرئيس الروسي لا تنطلق من عدم.
عندما انتُخب أوباما رئيساً للولايات المتحدة، ردّد عبارة لا تزال تُنقل عن لسانه حتى اليوم. قال: «سوف يذكر العالم انها اللحظة التي سيتوقف فيها ارتفاع مستوى البحار والمحيطات، وأن الكرة الأرضية بدأت تتعافى». فكان مؤتمر باريس فيما بعد حول المناخ. أما جو بايدن فانه بعد انتخابه رئيساً، أصدر الحكم على بوتين بأنه قاتل. فهل هي زلّة لسان? أم انها حكم سياسي وأخلاقي مبني على الاتهامات التي سبق أن وُجّهت الى روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لمصلحة ترامب ضد كلينتون أولاً، ثم ضد بايدن نفسه?. وإذا كان بوتين قاتلاً، فمن هو المقتول? ثم ماذا يعني توجيه اتهام بالقتل لرئيس خرج هو نفسه من رحم الموت في وقت كانت الإحصاءات تتركز على عدد الأموات وليس على عدد المواليد?