IMLebanon

بوتين وأردوغان الشريكان اللدودان

ربما كان الرئيس السوري بشار الأسد من أشد القلقين حيال المحادثات بين حليفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخصمه الأشد عداء في المنطقة، رئيس تركيا رجب طيب أردوغان. وربما يسأل الأسد نفسه والمحيطين به عمّا تخفيه هذه الشراكة التركية الروسية، على رغم خلافات موسكو وأنقرة حول قضايا كثيرة، ليس الموضوع السوري سوى واحد منها.

يحاول بوتين وأردوغان أن يحصرا برنامج الزيارة في الإطار الاقتصادي والتجاري، وما يتصل خصوصاً بصادرات الغاز الروسي إلى تركيا، التي تعتبر المستورد الثاني للغاز الروسي بعد ألمانيا. هذا موضوع مهم بالنسبة إلى الاقتصاد التركي لناحية الأسعار أولاً، ولناحية زيادة الكميات التي تحتاجها السوق التركية على أبواب فصل الشتاء البارد.

فضلاً عن ذلك، تبني روسيا المحطة التركية الأولى لإنتاج الطاقة النووية بكلفة تصل الى 20 بليون دولار، كما ينتظر أن يرتفع ميزان التبادل التجاري بين البلدين من 33 بليون دولار الى مئة بليون بحلول عام 2020.

يعني هذا أن الخلافات حول روسيا وأوكرانيا وعضوية تركيا في الحلف الأطلسي، في وقت تنتقد موسكو تحركات الحلف في أوروبا الشرقية، لا تمنع الشراكة التجارية ولا تحول دون حرص كل من تركيا وروسيا على دعم الوضع الاقتصادي للدولة الأخرى، وعدم الإساءة إلى مصالحها.

لم يحاول الرئيس الروسي أن يخفي الخلافات في المواقف مع تركيا، فاعتبر عشية زيارته أن علاقات البلدين مستقرة، على رغم الظروف الحالية التي تحيط بالمنطقة. وقال إن هذه الخلافات طبيعية بين بلدين لكل منهما سياسته الخارجية المستقلة. غير أن السؤال الذي يفترض أن يطرح نفسه هو: كيف يستطيع أردوغان وبوتين القفز فوق الخلافات السياسية التي نسمع أنها خلافات عميقة بين البلدين، وتجاهلها لخدمة المصالح الاقتصادية وحدها؟ وهل نحن أمام تجربة فريدة من نوعها في العلاقات الدولية تتم التضحية فيها بالسياسة في خدمة التجارة؟ أم أن ما نقرأه ونسمعه عن خلافات يختلف تماماً عما يجري في غرف الاجتماعات المغلقة؟

بكلام آخر، هل يمكن أن تكون الصفقات التجارية تمهيداً لصفقات سياسية يصل فيها الشريكان اللدودان إلى منتصف الطريق بالنسبة إلى الموضوع السوري، فيكون مصير الرئيس السوري مثلاً مطروحاً في سوق المساومة، في إطار تقاسم النفوذ والمصالح من البحر الأسود إلى الشرق الأوسط؟

من المهم أن نلاحظ أن زيارة بوتين إلى أنقرة تأتي بعد زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، التي برزت خلالها بوضوح الخلافات بين أردوغان وإدارة أوباما بشأن موقفها غير الحاسم من الأزمة السورية. ولم يتردد أردوغان في وصف سلوك واشنطن بـ «الوقح»، لأنها تحاول فرض سياستها في قضية تبعد عنها آلاف الأميال. ولا شك في أن بوتين كان أكثر الناس سعادة بهذا الانتقاد، فهو كان يمكن أن يقول الكلام نفسه عن الدور الأميركي والغربي في أوكرانيا وسواها من دول البلطيق المحاذية للحدود الروسية، حيث لا يتوقف الحلف الأطلسي عن التمدد!

من المهم أن نلاحظ كذلك أن الحديث عن العلاقات التركية الروسية يأتي في الوقت الذي لا تخفي إدارة أوباما حرصها على المحافظة على الانفتاح الذي حدث في علاقاتها مع إيران على رغم تأجيل الاتفاق بشأن الملف النووي إلى آخر حزيران (يونيو) المقبل. ولا بد أن بوتين يسأل نفسه ومنتقديه أيضاً لماذا يكون متاحاً لواشنطن الانفتاح على طهران على رغم عداوة يزيد عمرها على ثلاثين عاماً وخلافات عميقة بين مصالح البلدين، ولا يكون متاحاً لروسيا أن تتقارب مع تركيا، حيث حقائق الجغرافيا تفرض نفسها على البلدين بصرف النظر عن الاعتبارات السياسية؟