يُطرح سؤال خجول في أوساط سياسية متابعة للوضع الخارجي، من زاوية تأثيره على الأزمة الاقتصادية الكبيرة، عما إذا كان الإقليم سيشهد نقلة جديدة تخفف من حدة الصراعات فينفذ لبنان عبرها نحو التخفيف من أضرار تأزمه.
يفرض تحرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه على لوحة المحطات الخارجية المتصلة بالإجابة على الأحجية الدولية – الإقليمية، خصوصاً أن رئيس الحكومة سعد الحريري يخطط لزيارة موسكو للاجتماع به أواخر تشرين الثاني أو أوائل كانون الأول المقبل.
تلعب موسكو دوراً رئيساً في حماية الاستقرار اللبناني، وكان لها مع عواصم الدول الكبرى الأخرى، اليد الطولى في الحؤول دون انزلاق لبنان إلى المواجهة العسكرية مع إسرائيل بعيد إرسالها الطائرتين المسيرتين إلى معقل “حزب الله” في الضاحية الجنوبية، وانفجار إحداهما في مركز للحزب، في 25 آب الماضي. يومها أدت الجهود الدولية والاتصالات الروسية مع طهران إلى إبلاغ الحزب الأمم المتحدة في بيروت رسالة طلب نقلها بوضوح إلى إسرائيل: “سنرد لكننا لا نريد مواجهة عسكرية”. تلقفت إسرائيل الرسالة وبقي ردّها على إصابة الحزب مدرعة إسرائيلية في الأول من أيلول، في حدود إحراق مساحات زراعية بالقذائف.
لقاء بوتين مع القيادة السعودية المرجح الإثنين المقبل في الرياض، سبقته دعوة وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية وأن هذا الأمر سيكون مدار بحث خلال الزيارة. فموسكو تلح على الدول العربية لإعادة دمشق إلى الجامعة بحجة أن الاقتراب منها يساعد في إبعادها عن إيران، التي تشكو هذه الدول من نفوذها فيها. وهذا العنوان واحد من عناوين تخضع للمقايضات، بينما تطرح موسكو بيع أسلحة للمملكة، بعد موقعة “ارامكو”.
ولا بد للحريري من أن يطلع على الجانب المتعلق بلبنان أثناء زيارته الرياض بعد بوتين. وزيارته اللاحقة إلى موسكو بعد زهاء شهرين يفترض أن تستكمل المعطيات. ما يهم بيروت هو استكشاف أين صارت المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين التي انطلقت في تموز العام الماضي ثم تعثرت، لأنها مرهونة بتمويلها من دول غربية وعربية، تشترط تقدماً في العملية السياسية وفق القرار الدولي الرقم 2254. وتواصل موسكو حث الدول الغربية على الفصل بين تمويل العودة وبين تمويل الإعمار الذي قد يرتبط بالحل السياسي، معتمدة على أن تشكيل اللجنة الدستورية السورية التي تبدأ أعمالها آخر الشهر الجاري في جنيف، هي انطلاقة مقبولة لمسار الحلول. ويراهن بعض الأوساط على إشارات ولو كانت خجولة، لانفتاح أميركي مشروط على دمشق، تواكبه إشارات من بعض الدول العربية. وسبق لموسكو أن طالبت المسؤولين اللبنانيين بأن يلحوا على الدول الغربية لرفع الحظر عن تمويل العودة، على رغم اعترافها بأن النظام السوري يتلكأ في تدابير إنجاحها من جهة، وبعجزه الاقتصادي والمالي في كل الأحوال، عن تولي مسؤولية من عادوا معيشياً وإنمائياً بسبب العقوبات وتردي الاقتصاد من جهة ثانية. ولذلك يواصل عون طرح الأمر كما فعل في خطابه في الأمم المتحدة، وتردد أن الحريري سأل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عنه وينوي طرحه في زيارات مقبلة.
كما أن موسكو تشجع النظام على تولي مسؤولية المناطق المتاخمة للحدود مع لبنان، والتي تسيطر على مساحة كبيرة منها الميليشيات الحليفة لإيران وفي طليعتها “حزب الله”، لعلها تكون الأسهل لإعادة كمية أكبر من السوريين الموجودين في البلد، كخطوة أولى، لكن النظام يعجز عن ذلك. وتعتقد موسكو أن استعادة السيطرة الكاملة للجيش السوري على المناطق المحاذية للبنان توفر على سوريا أيضاً عمليات القصف الإسرائيلي التي تتم بحجة استخدامها من إيران لتهريب الأسلحة والمعدات لـ”حزب الله” في لبنان، فينزع هذه الحجة.
أمام لبنان محطات دولية وإقليمية توجب تعاطيه بدقة معها بعيداً من التبسيط والخفة.