ذهبت اواخر عام إلى موسكو بمعية وفد من المنبر الديمقراطي، للتفاوض مع وزير خارجيتها السيد لافروف حول ايجاد حل للقضية السورية. خلال حديثه، لاحظت وبقية اعضاء الوفد أن سورية لا توجد إلا كشيء تابع لبشار الاسد او ملحق به، وأن الوزير لا يستطيع تصورها أو التفكير فيها، إذا لم يكن بشار رئيسها، الذي يجب رؤيتها بدلالته، ولا حل لمعضلتها غير التمسك به. لم يعرج لافروف على ما يجري في سورية من احداث، أو يدن ما يتعرض له شعبها من فظاعات، بل قصر بنقطتين، هما : بشار كرئيس حتمي لسورية، والتخلي عن الثورة ومطالبها باعتباره الحل السياسي المطلوب لمعضلتها.
لم يقبل سعادته، بطبيعة الحال، وجهة نظرنا، التي نفت ان يكون حل مشكلة بشار الاسد هو الحل المنشود للمسألة السورية، وطالبت برؤيته بدلالة الشعب والوطن ومصيرهما وليس العكس، لأن روسيا تفهم الحدث السوري عندئذ بطريقة خاطئة، وتقترح بالتالي حلولا خاطئة، بينما رؤيته في ضوء مسائلها المتعلقة بمصير دولتها ومجتمعها، يحوله إلى قضية فرعية وقليلة الاهمية، ترشحه جرائمه للمثول امام محكمة الجنايات الدولية كمجرم حرب وضد الانسانية في آن معا، بدل رؤيته كموضوع وحيد لوضع تجاوز سورية وبلغ حدا من التعقيد يبعدها أكثر فأكثر عن اي حل، سياسيا كان ام عسكريا، إن رأينا دولتها ومجتمعها بدلالته صار من المحتم أن نعتبر السوريين مجرمين وإرهابيين يتمردون على رئيس شرعي منتخب.
تركز القسم الأكبر من مفاوضاتنا مع لافروف على هذه النقطة، ولم نترك حجة إلا واستخدمناها لاقناعه بعدم جواز رؤية قضية كبيرة كالمسألة السورية بتعقيداتها المتشابكة والمتفاقمة بدلالة أمر جزئي وهامشي كمصير فرد هو الأسد، وأن هذه النظرة تمنع روسيا من رؤية الأمور على حقيقتها وتقديم حل منصف لها، وتسهم في إطالة صراع لن يفيد من إطالته غير الارهاب والاصولية، وتورط موسكو في مواقف معادية للشعب السوري ستكون لها انعكاسات سلبية على علاقاتها مع العالمين العربي والإسلامي. لكن الرجل بدا وكأنه لا يسمع ما نقوله. وفي النهاية، بعد نيف وساعتين، عرض علينا القدوم إلى روسية متى قررنا الحديث مع الاسد، فرفضنا عرضه وخرجنا من اللقاء ونحن لا نكاد نصدق أن ما سمعناه هو موقف دولة عظمى تدعي صداقة شعبنا، لها مسؤوليات سياسية واخلاقية تجاه العالم، وتعلم أن هناك قانونا دوليا يضع سلامة وأمن الشعوب فوق كراسي الحكام، وأن شرعية أي نظام تقاس بمدى احترامه للسيادة الشعبية ولحقوق الإنسان والمواطن.
منذ ذلك اللقاء وانا اعتقد أنه لا خير يرتجى من دولة ترى سورية بدلالة قاتل « شرعي«، تعلم أنه وصل إلى القصر الجمهوري بانقلاب غير شرعي وغير دستوري، رتبه ضباط الحرس الجمهوري بدوافع محض طائفية مع ابيه، الذي اخذ السلطة بانقلاب غير شرعي وغير دستوري بدوره، وارسى نظامه على قدر غير مسبوق من العنف والدم، لكن ابنه فاقه في الإجرام وقام بمذابح منظمة طاولت كل سورية وسوري، لكن بوتين انكر وقوعها وتنكر لتقارير هيئات ولجان تحقيق دولية تابعة للأمم المتحدة، طالبت صراحة بمحاكمة الاسد كمجرم حرب، كما تنكر اخيرا لاستخدام بلاده حق النقض ثلاث مرات في مجلس الامن ضد اي تدخل اجنبي في سورية، حين امر بارسال قوات روسية اليها واعلن انه يزود الاسد ب«اسلحة وخبرات ومعونات «، كأن ارسال الطائرات الحربية والدبابات والسفن القتالية إلى دولة اجنبية ليس تدخلا عسكريا، ويمكن أن يدرج تحت بند « المعونات « التي تقدم إليها، والتي ما ان وصلت اليها حتى باشرت هجماتها المسلحة على مناطق من الساحل، و« اعانت « سكانها العزل على الالتحاق بالعالم الآخر!.
ترى روسيا معضلة سورية الواسعة من اضيق زاوية يمكن تصورها هي مصير بشار الأسد. وتتخذ منها موقفا يتفق مائة بالمائة مع شعاره الإجرامي: «الأسد او لا احد«. لهذا السبب، أمدته طيلة اعوام الثورة بجميع انواع العون الحربي والمالي والسياسي، وقصرت سياساتها على انقاذه. والغريب، ان بوتين يتوهم اننا من السذاجة بحيث نصدق كلامه عن رغبته في حل سياسي، ونتعامى عن دوره ودور جيشه وسلاحه في انقاذ الأسد، وعن المعاني الكامنة وراء التصميم على ابقائه رئيسا ابديا لسورية، واعتبار شعبها المطالب بالحرية ارهابيا!.
لن تكون روسيا دولة سلام، ما دام جيشها ينقذ الاسد وخيارها محسوما لصالحه. ولن يقبل شعبنا وجود جيشها الغازي في بلادنا، لان هدفه فرض ربيبها علينا بالقوة. ولا تبقي موسكو لنا اي خيار غير إخراج المجرم من بلادنا، وإرساله إليها، بالقوة ؟.