الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس قليل الغطرسة، ولا خارج الواقعية في الحسابات، وهو يواجه الغطرسة الأميركية. ومن الصعب، وان لجأ الى نظرية المؤامرة لتفسير سياسة الغرب تجاه نزع أنياب الدبّ الروسي، تصوره يحسب القدرة على ربح حرب باردة خسرها الاتحاد السوفياتي. فلا روسيا اليوم في موقع الاتحاد السوفياتي كجبّار دولي مقابل الجبّار الأميركي، وان لم تعد أميركا أيام أوباما ما كانت عليه أيام ريغان. ولا هي تملك الجاذبية الايديولوجية التي كانت للاتحاد السوفياتي في الأوساط الوطنية واليسارية ولدى كل ما هو ضد الامبريالية. إذ هي فقدت الكثير من القوة الناعمة، وان حافظت على القوة الخشنة. وليس اقتصاد السوق الذي انتقلت اليه من الاشتراكية سوى رأسمالية بلا رأسمال تديرها نخبة أوليغارشية.
ذلك ان المواجهة ليست متكافئة، لا في حجم الاقتصاد، ولا في القدرة على تمويل سباق التسلح. الدخل القومي الروسي هو ٢ تريليون دولار ل ١٤٣ مليون نسمة. والدخل القومي الأميركي والأوروبي هو ٣٤ تريليون دولار ل ٨٢٢ مليون نسمة. فضلاً عن ان الاقتصاد الروسي مرتبط بدورة الاقتصاد الكوني. وهو يعتمد بنسبة عالية على بيع النفط والغاز من دون تنوّع كبير، كما اعترف بوتين في مؤتمره الصحافي، بحيث قاد الانخفاض في أسعار النفط، مع العقوبات الأميركية والأوروبية بسبب الصراع على أوكرانيا الى انخفاض مؤلم في سعر الروبل. ولم يكن ممكناً حدوث هذا أيام الاتحاد السوفياتي واقتصاده الاشتراكي الذي يدور في فلك خاص.
لكن بوتين يجد نفسه مضطراً للمواجهة، مهما تكن النتائج. فلا هو يستطيع أن ينسى استفزاز الغرب لروسيا ومحاولة إذلالها وعزلها عبر ما سمّاه الجدار الحديد الجديد الذي رمزه الدرع الصاروخية واندفاع الحلف الأطلسي نحو الحديقة الخلفية لموسكو، بدل حلّه كما جرى حل حلف وارسو. ولا هو يجهل ان أهم سلاح في ترسانته هو الوطنية الروسية التي ترفع شعبيته الى نحو ثمانين في المئة. فضلاً عن ان الغرب فشل في فهم تاريخ روسيا وموقعها والشخصية الروسية، بحيث يركّز دائماً على أن تلتحق روسيا بأوروبا. وعلى العكس، فان بوتين يريد أن تكون روسيا قطباً في موازاة أوروبا وأميركا، ويخطط لأن يصبح الاتحاد الأوراسي مقابل الاتحاد الأوروبي.
وليس ما يفعله بوتين في أزمة أوكرانيا وحرب سوريا وأماكن أخرى سوى ما يسميه خبير روسي زرع الشوك على طريق أميركا. لكن ما يريده عملياً هو أن يضمن دور الشريك لأميركا في ادارة النظام العالمي وترتيب الخرائط الاقليمية، من حيث يريد له ومنه المعارضون لأميركا أن يلعب دور البديل.
واللعبة طويلة ومعقدة ومهمة.