Site icon IMLebanon

بوتين – الأسد: قمّة المراجعة الأوّلية لنتائج «عاصفة السوخوي»

تعدَّدت القراءات السياسية لزيارة الرئيس السوري بشّار الأسد إلى روسيا ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين، وتفرّدت كلّ جهة داخل طيف القوى الإقليمية والدولية المشتبكة سياسياً في سوريا، في صوغ توصيف لها يختلف عن الأخرى. ويعود ذلك إلى أنّ الزيارة كانت مفاجئة للبعض وصادمة للبعض الآخر، فضلاً عن أنّ ترتيبات إجرائها منذ التحضير لها حتى إنجازها حصلت في سرّية تامّة.

تلفتُ المعلومات المستقاة من مصادر روسية رسمية وشبه رسمية، إلى أنّ لقاء القمّة الروسية – السورية ركّز على إجراء «عملية تقويم أوّلية» للنتائج العسكرية الميدانية التي أحرَزتها «عاصفة السوخوي» في سوريا بعد نحو ثلاثة أسابيع من بدئها، وأيضاً استكشاف أفقها السياسي لجهة تسييل مفاعيلها لمصلحة التوصّل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.

المراجعة العسكرية

على المستوى الخاص بالمراجعة العسكرية الأوّلية، كان الهدف تحديداً، تفحُّص مدى التغييرات العسكرية التي أحدَثتها «عاصفة السوخوي» حتى الآن على الأرض، وذلك لجهة رَصد التحوّلات التي تركتها على مستوى موازين القوى بين الجيش السوري والمعارضات المسلّحة في النواحي العسكرية والمعنوية، ألخ.

وتفيد هذه المعلومات أنّ النتيجة التي خلُصت إليها هذه المراجعة كانت إيجابية من وجهة نظر القيادتين السورية والروسية؛ ذلك «أنّ «عاصفة السوخوي» نجحت في تحقيق أمرين مهمّين.

تَمثّل أوّلهما في أنّها جعلت الجيش السوري يستعيد المبادرة العسكرية، بعدما كان زمامها موجوداً بنسبة غير قليلة في يد المعارضات المسلّحة، ولا سيّما منها تلك المدعومة تركيّاً.

فيما تَجسَّد الأمر الثاني بنجاح الغطاء الجوّي الروسي الكثيف في تمكين الجيش السوري من التقدّم على الأرض ولو ببطء، أو إلى مسافات طفيفة؛ إلّا أنّ هذا التقدّم يساهم في تنفيذ خطة إنشاء أحزمة أمان للمناطق الاستراتيجية التي يحتاج النظام لإحكام سيطرته عليها، والمقصود هنا المناطق التي تقع ضمن منطقة يتعارف عليها الآن بمصطلح «منطقة غرب ما وراء خط حلب – درعا».

ولا يتّفق كثير من دول المحور الآخر المعارض لنظام الأسد على نتائج المراجعة العسكرية الأوّلية الروسية السورية. وترى أنّ بوتين يُخطئ إذا اعتبَر أنّ فترة الأسابيع الثلاثة التي هي عمر تدخّلِه العسكري في سوريا، كافية لأن يبني عليها استنتاجات ميدانية وسياسية، ولو أوّلية.

ففي أنقرة هناك اقتناع بأنّ التدخّل العسكري الروسي في سوريا سيتبدّد زخمُه مع الوقت، وسيقود موسكو خلال وقت قصير إلى أن تصبح جزءاً من أزمة الأطراف المتدخّلة عسكرياً في ميدانها، وليس «مايسترو» للحلّ السياسي.

وهناك رهان تركي على أنّ المعارضات المسلّحة ستتكيّف مع مرور الوقت مع «الزائر العسكري» الروسي الجديد، مثلما تكيّفت قبله مع تحدّيات التدخّل الإيراني و»حزب الله» وحتى الغربي – الأممي.

أمّا المصادر ذات الصِلة بالغرب، فهي تُعطي نفسَها مهلة شهر إضافي من الآن حتى ترى كيف سينعكس القصف الروسي الجوّي ميدانياً على الأرض في سوريا؛ وفي حال عجز عن تحقيق إنجاز عسكري وازن وملموس (من قبيل سيطرة الجيش السوري على جسر الشغور مثلاً أو استعادة مناطق واضحة المعالم)، فإنّ هذا سيعني أنّ موسكو التحقت بطهران و«حزب الله» لجهة اتّضاح أنّ تدخّلهما العسكري المباشر عجز عن تحقيق حسم عسكري في سوريا، أو أقلّه لم يُؤدِّ إلى تغييرات جوهرية في ميزان القوى العسكري هناك لمصلحة النظام بنحو ملموس.

ويرى أصحاب هذه النظرية من منظار عسكري صرف، أنّ عدد الطلعات الجوية الروسية اليومية في سوريا كما هي حتى الآن (من 50 طلعة إلى 70 وحتى 90)، لا يمكن الرهان عليه لإحداث فارق نوعي استراتيجي على الأرض أو في موازين القوى، لأنّ تحقيق هذا النوع من الأهداف الوازنة بحسب تجارب إسرائيل في لبنان وأميركا في أفغانستان، وحتى السعودية في اليمن، يحتاج إلى عدد مضاعف من الغارات اليومية، وهو أمرٌ لا يبدو أنّ موسكو قادرة عليه.

وتعقد هذه النظرية مقارنة تُظهر أنّه على رغم مضيّ أكثر من ثلاثة أسابيع على «عاصفة السوخوي»، لم يحقّق الجيش السوري سوى تقدّم برّي طفيف، في حين أنّ ائتلاف «جيش الفتح» في شمال سوريا نجح من خلال الإفادة من دعم لوجستي تركي، في السيطرة على مناطق واسعة في شمال سوريا، وذلك في أقلّ من أسبوعين.

وفي المحصّلة تُشكّك هذه النظرية في قدرة موسكو على الحسم العسكري في سوريا ولو بالحدود التي تسمح بجعل الأطراف المقابلة له تنصاع لحلّ سياسي مع الأسد.

لكن داخل كواليس قريبة من روسيا، هناك نظرية أخرى تفيد أنّ «عاصفة السوخوي» تعمّدت التمرحل في تحقيق أهدافها العسكرية ضمن مرحلتها الأولى؛ فهي أوّلاً أرادت إعادة الجيش السوري إلى واجهة المعادلة الأمنية والسياسية في سوريا.

وثانياً: دكّ المراكز الاستراتيجية للقوى المعارضة المقتربة من مناطق تقع وراء خط غرب حلب – درعا؛ ثمّ الانتقال ثالثاً إلى تنفيذ غارات هدفُها تأمين الدعم التكتيكي لتقدّم الجيش السوري. وهذا الهدف الثالث يحين أوانه خلال الفترة القريبة.

على أنّ الهدف السياسي العسكري المركّب والأكبر للمرحلة الأولى من «عاصفة السوخوي» هو تطهير منطقة سوريّة كاملة من الفصائل المسلحة، وتقديمها إلى الغرب نموذجاً يُمكن روسيا أن تُعمّمه على كلّ الأراضي السورية، شرط حصولها على غطاء سياسي دولي كامل وعلى ضمانات غربية وعربية بتسهيل بدء التسوية بمشاركة الأسد مرحلياً وبدور مستديم وأساسي للجيش والنظام.

وتضيف هذه المعلومات أنّه في حال لاحظت روسيا عدم تجاوب دولي وإقليمي معها بعد انتهائها من إنجاز المرحلة الأولى الآنفة، فإنّها سترسم بالنار حدود استقرار النظام داخل الأراضي السورية وستخوض من الجوّ حرباً تدميرية ضدّ كلّ محاولة لاختراقها أو تهديدها، وهو أمرٌ ضمنَت له منذ الآن روسيا غطاءَه السياسي الدولي، نظراً إلى أنّ اتفاق ترسيم عدم التصادم في الأجواء السوريّة بين سلاحَي الجو الروسي والأميركي، يُظهر أنّ واشنطن وموسكو متّفقتان منذ الآن على تقسيم نفوذهما في سوريا وليس على تقسيم أراضيها.

وفي حال لم تؤدِّ المرحلة الأولى من «عاصفة السوخوي» إلى تسوية مستعجلة على اثرها، فإنّه يمكن الروس والأميركيين التعايش لفترة طويلة في سوريا بانتظار نضوج الحلّ السياسي، خصوصاً مع تعاظم التأكيدات أنّ تفاهمات روسيّة ـ إسرائيلية أحرزت على مستوى موقع أمن إسرائيل داخل الدور العسكري الروسي في سوريا.

الهدف السياسي

أمّا الهدف الثاني لزيارة الأسد إلى موسكو، الواقع ضمن جزئية إجراء «مراجعة أوّلية للنتائج السياسية لعاصفة السوخوي»، فقد ركّز، بحسب معلومات متقاطعة، على رغبة بوتين في استكشاف ما يمكن الأسد أن يقدّمه من تنازلات وأثمان سياسية لتسوية في سوريا تقودها موسكو، وتعتزم أن تُمهّد لها باتّصالات ستستأنفها مع كلّ من الرياض وواشنطن وستعمد لتدشينها مع أنقرة.

وتقول معلومات متوافرة في هذا الصَدد إنّ موسكو لديها على الأقلّ مستجدَّين اثنين يمكن البناء عليهما في إحداث اختراق لمصلحة بدء تسوية في سوريا:

– الأوّل يُستلهَم من الحوار بين بوتين وولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال لقائهما الأخير، والذي طرح فيه بن سلمان أنّ الرياض ضد الإرهاب في سوريا، وتدخّلها هناك يقتصر على دعم جماعات سوريّة معتدلة.

وعلى رغم تحفّظ بوتين عن تعبير «جماعات معارضة معتدلة»، إلّا أنّ طرح بن سلمان فتح نافذة لمقايضة في شأن تعهّد روسيا بتحييد هذه الجماعات من قصف «عاصفة السوخوي»، في مقابل موافقة السعودية على إشراكها (أي هذه الجماعات) في جهد الجيش السوري ضد الإرهاب في سوريا.

ثَمّة رهان على تطوير هذا التفاهم التقني لمصلحة إرساء تفاهم أوسع على دور سعودي في الحل. ويلاحَظ حالياً أنّ هذه الفكرة باتت مطروحة حتى في دمشق، ولو من باب الهمس بأنّ الأسد يقبل بدور خليجي للاستثمار في إعمار سوريا بعد «توقّف دولِه عن دعمها الإرهاب»، لكنّه لا يوافق على نيلها ثمناً سياسياً داخل سوريا.

– المستجد الثاني الإيجابي المتوافر حالياً لموسكو، وتحرص على توظيفه في سعيها لاختراق أفق التسوية المسدود في سوريا، يتمثّل في الموقف المصري المتقدّم داخل الصف العربي في دعمه سياسة بوتين السورية، وذلك منذ تدخّله العسكري وحتّى استقباله الأسد.

وفي موسكو يصِفون موقف مصر بأنّ له منزلة تقديم «غطاء عربي» للدور الروسي العسكري ضد الإرهاب في سوريا. واللافت أنّ مصادر القاهرة الرسمية توافق في كواليسها على هذا التوصيف، ولا تتحفّظ منه.