ارتأى الغربيون قراءة “بخت” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والضرب بالرمل لفك “لغزه” درسوا لغة جسده وتكبدوا مئات الآلاف من الدولارات على أبحاث لهذه الغاية. وزارة الدفاع الاميركية “البنتاغون” انفقت 365 الف دولار منذ 2009 لدعم برنامج متخصص بحركات القيصر، استناداً الى صحيفة “يو أس اي توداي”. اما آخر ما توصلت اليه ابحاثهم في شأن وضعه العقلي، فظهر على صفحات الصحف الاميركية قبل ايام، وفيه انه تعرض لأذى عصبي، ولم “يدبدبْ” في طفولته، ليخلصوا الى انه مصاب باضطراب التوحد الذي يؤثر في كل قراراته!
ليست محاولة تفسير تصرفات رئيس أو قائد استناداً الى حركات جسمه، سابقة. دراسة لغة الجسد باتت وسيلة معتمدة على نطاق واسع لفهم سلوك الافراد وقراءة أفكارهم. ولعل اللجوء الى هذه التقنية مع بوتين تحديداً أمر بديهي، نظراً الى دوره المركزي في سياسات الكرملين والغموض الذي يكتنف خططه.
ولكن، تبدو واضحة في هذه الدراسات العناصر الرامية الى “شيطنة” رجل غزا جزءاً من دولة مستقلة وأمدّ انفصالييها بالسلاح، ووقف سداً منيعاً امام اسقاط نظام قاوم رغبة اكثر من نصف شعبه في التغيير. وخروج هذه الخلاصات وقت تراجعت العلاقة بين بوتين والغرب الى مستوى لم تشهده منذ نهاية الحرب الباردة، لا يدل ألا على افلاس المجتمع الدولي في التعامل مع موسكو.
بالامس تحديداً، كان الرجل الذي لم “يدبدبْ” في طفولته، والمصاب بـ”التوحد” يستقبل استقبال الابطال في عاصمة اعتبرت لعقود حليفاً مركزياً لواشنطن. مدت له القاهرة السجادة الحمراء، وسمته “بطلاً… من هذا الزمان”. قابلت خططه للاتجار بالروبل باستحسان. أحكام الاعدام والسجن للصحافيين في مصر لن تقدم ولن تؤخر في قرار بوتين في شأن عقود التسلح بمليارات الدولارات. وليس مستبعداً ان يكون ائتلافه المضاد للائتلاف الدولي لمكافحة الارهاب قد لقي صدى ايجابياً في القاهرة.
نقاط اضافية يسجلها بوتين في ملعب الغرب على رغم الضائقة الاقتصادية التي يعانيها. صوره العملاقة في شوارع القاهرة ولافتات الترحيب به بالعربية والروسية والانكليزية أيضا تبعث برسائل تتجاوز حدود أرض النيل. وقبلها، انتزع ضوءاً أخضر اميركياً لحوار سوري في موسكو فُصِّل على قياس حليفه النظام ووفقاً لبرنامجه. وبين الزيارة لمصر والحوار السوري، سجل بوتين “نجاحات” جديدة في اوكرانيا، وسط اشارات متناقضة من الغرب، تارة الى تشديد العقوبات عليه وطوراً مد كييف بالاسلحة.
“شيطنة” بوتين جهد عقيم لن ينقذ سوريا ولن يحرر أوكرانيا. والعضلات المفتولة لسيد الكرملين قادرة على تضليل أكبر محلّلي لغة الاجساد. شخصية كهذه يتطلب التعامل معها العمق في فهم تفكير – وثقافة – شعب بكامله، لا لغة جسد رجل واحد.