استحقاقات كثيرة واجهت القيادة الروسية خلال هذه السنة، بدءاً بالأزمة الأوكرانية وما نتج عنها من مواجهات سياسية واقتصادية مفتوحة مع الغرب، وصولاً الى الأزمة المالية التي أطلّت برأسها بعدما انهار الروبل أمام العملات الأجنبية بنسب مخيفة.
مما لا شك فيه أنّ جردة الحساب السنوية التي اعتاد إجراءها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ وصوله الى السلطة، لقيَت صداها لدى كلّ فئات الشعب، إذ إنّه أوّل رئيس لروسيا يتجاوز أعراف السلطة ويتلقى الأسئلة من المواطنين ويجيب عليها مباشرة عبر شاشات التلفزة.
لكن وفق مراقبين فإنّ النسخة الثانية عشرة من هذه التجربة هذه السنة ستكون الأصعب والأكثر حساسية، خصوصاً أنّ الأزمة الاقتصادية أصابت مباشرة المواطن الروسي بعدما لمس غلاء أسعار المواد الغذائية بنسبة تجاوزت 20 في بالمئة، فيما يُرجّح خبراء الاقتصاد أن ترتفع الأسعار مجدَّداً مع حلول السنة الجديدة، ما يعني استفحال الأزمة الاقتصادية واستمرار هبوط الروبل أمام الدولار.
بالطبع يُدرك الروس أنّ هبوط أسعار النفط ليست السبب الرئيس في أزمتهم الحالية، لأنها ليست المرة الاولى التي تمرّ بها البلاد في تجربة انخفاض أسعار النفط، لكنها المرة الاولى التي ظهر فيها الروبل عاجزاً تماماً عن الصمود أمام العملات الاخرى، حتى تلك المتداوَلة في بعض بلدان رابطة الدول المستقلة المجاورة، ما يشير بوضوح الى أنّ العقوبات الغربية على روسيا فعلت فعلتها، وهي التي تلعب الدور الأساس في استفحال الأزمة.
ما يعني أنّ جلسة البث المباشر من مختلف أقاليم روسيا مع بوتين اليوم ستتناول بإسهاب الأوضاع الاقتصادية الداخلية، الامر الذي سيضع سيّد الكرملين امام امتحان صعب للغاية. فالرجل أثبت خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية أنه قادر على ضمان ديمومة الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في البلاد. أما اليوم فقد يبدو غير قادر حتى على التنبّؤ بما ستؤول اليه اوضاع العملة الوطنية.
أوساط سياسية روسية ترجح أن تتصدّر السياسة واجهة الأسئلة التي ستوجه إلى بوتين، على رغم أنّ الأزمة الاقتصادية باتت تطاول المواطن مباشرة، في اعتبار أنّ الروس يدركون أنّ خلفيات الأزمة التي تعصف ببلدهم هي سياسية بحتة، لذلك سينصبّ اهتمامهم على معرفة رؤية سيد الكرَملين الجديدة حيال العلاقات المسقبلية مع الغرب، خصوصاً أنّ الحديث عن عودة الحرب الباردة بات الأكثر تداولاً في صفوف النخبة الروسية.
وترى الأوساط أنّ بوتين يجب أن يكون مستعداً للدفاع عن السياسة التي انتهجها حيال ملفات خارجية كثيرة، وفي مقدّمها الازمة الأوكرانية، خصوصاً أنّ ما تعيشه روسيا اليوم من عزلة دولية على المستوى السياسي، وما تعانيه جراء حزم العقوبات الغربية ناتج عن سياسة موسكو في أوكرانيا حسب ما تُروّج واشنطن وبروكسل.
لذلك فإنّ الرئيس الروسي يجب أن يكشف عمّا في جعبته من خطط وأوراق رابحة وتدابير مضادة للردّ على العقوبات الغربية، ولا سيما أنه ألمح اكثر من مرة الى أنّ لدى بلاده إمكانات للرد على التصعيد الغربي في مجالات مختلفة.
وتعتبر الأوساط أنّ بوتين سيتناول حكماً الأزمة السورية والاوضاع في العراق، لأنه من غير الممكن أن لا يتطرق إلى قضية الحرب على الارهاب، والتحالف الدولي في سوريا والعراق، خصوصاً أنّ هناك تفاوتاً كبيراً في وجهات النظر مع واشنطن في هذا الشأن، إذ إنها قرّرت التدخل العسكري في الشرق الأوسط من دون العودة الى مجلس الأمن الدولي، وهذا ما ترفضه موسكو وترى أنّ الحرب على الارهاب يجب أن تكون بدعم حكومات الدول التي تواجهه على أراضيها.
اذا سيكون بوتين اليوم أمام استحقاق الجردة السنوية. ففي حين كانت الأعوام الماضية مليئة بالانجازات التي دأب على تناولها في حديثه المباشر مع الشعب، فإنّ هذه السنة لا تُسجّل سوى إنجاز إعادة شبه جزيرة القرم الى قوام الاتحاد الفدرالي الروسي، وما عدا ذلك من حراك سياسي روسي لا يخرج عن إطار تهيئة المناخات الداخلية والخارجية للاستعداد مجدداً لخوض جولة جديدة من الحرب الباردة