Site icon IMLebanon

بوتين بين القوة والتفاهم مع أميركا

يتصرف الرئيس فلاديمير بوتين على اساس ان سوريا باتت ملكاً له وانها ارض روسية يستطيع أن يفعل فيها وبها ما يريد، وان حليفه الرئيس بشار الأسد سلّمه مفاتيح دخولها بعدما خسر المواجهة مع شعبه المحتج وفشل مع حلفائه الايرانيين واللبنانيين في تحقيق اهدافه والقضاء على الثوار والمعارضين. وهذا الواقع يجعل مصير الأسد ونظامه في ايدي القيادة الروسية التي تستطيع ان تقول للمسؤولين في الدول المؤثرة المعنية بالأمر: تعالوا وتفاوضوا مع روسيا وليس مع ايران التي فعلت قيادتها ما تستطيع، لكن ليست لديها الامكانات والقدرات الضرورية والمناسبة للامساك وحدها بالورقة السورية والمساومة عليها في المفاوضات مع الأميركيين وحلفائهم”.

هكذا اختصر مسؤول اوروبي معني بالملف السوري الموقف، وقال لنا استناداً الى معلوماته وتقويمه للأوضاع ولمسار العمليات الحربية الروسية الكثيفة في سوريا ان القيادة الروسية تواجه خيارين اساسيين:

الأول هو تبنّي الخيار المستند الى غطرسة القوة والتعامل مع الاوضاع في سوريا على اساس ان قدراتها الحربية الكبيرة يمكن ان تسمح لها بأن تفرض شروطها ومطالبها على كل الأطراف المعنيين وان تحقق مصالحها بقطع النظر عن حسابات الآخرين ومصالحهم.

الثاني هو تبنّي الخيار الواقعي الذي يجعل القيادة الروسية تتصرف على اساس ان آلتها الحربية الضخمة ليست كافية لأن تسمح لها بأن تقرر وحدها مصير سوريا بقطع النظر عما تحققه ضرباتها العسكرية وما يمكن ان ينجزه نظام الأسد على الارض في ظل التغطية الروسية الجوية والصاروخية لعملياته.

وأوضح المسؤول الاوروبي “ان خيار غطرسة القوة يجعل القيادة الروسية تتبنى وجهة نظر الأسد القائمة على اساس ان جميع الثوار والمعارضين ارهابيون ويجب قتالهم الى النهاية وسحقهم، وان الحل السياسي الوحيد المقبول للأزمة هو رفض المساومة مع خصوم النظام ومع الدول الداعمة لهم والعمل على انجاز ما يريده الرئيس السوري، أي التمسك ببقائه وبقاء نظامه والسعي الى اعادة الأمور الى مرحلة ما قبل اندلاع الثورة في آذار 2011. وقد تكون لدى الروس اغراءات لتبنّي سياسة غطرسة القوة، لكن هذا الخيار يستند الى حسابات خاطئة وسيفشل في النهاية اذ انه يزيد تأجيج الصراع الداخلي – الاقليمي – الدولي في سوريا ولن تستطيع القيادة الروسية انجاز المكاسب المتوقعة لأن القوة العسكرية الكبيرة التي تعتمد عليها لن تسمح لها بأن تحقق ما تريده كما أثبتته تجربتها الفاشلة في أفغانستان وأظهرته تجارب الاميركيين في العراق وافغانستان لاحقاً”. واضاف: “إن تبنّي الخيار الواقعي يجعل القيادة الروسية تدرك انها عاجزة عن فرض بقاء الاسد ونظامه على السوريين وعلى الدول الغربية والاقليمية المعنية بالامر، لأن هذا النظام هو المسؤول الرئيسي عن الكوارث التي اصابت سوريا في كل المجالات وعن انتشار الارهابيين في البلد ووجوده يمنع الحل السياسي الحقيقي للأزمة. والخيار الواقعي يتطلب ان تدعم القيادة الروسية فعلاً تطبيق صيغة بيان جنيف التي تدعو الى نقل السلطة الى نظام جديد تعددي يحقق التطلعات المشروعة لجميع السوريين، وتحدد خريطة طريق لانجاز هذا الهدف تتضمن خصوصاً تشكيل هيئة حكم انتقالي تضم ممثلين للنظام وللمعارضة على اساس قبول متبادل، تملك وتمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتخضع لها الاجهزة العسكرية والامنية وباقي مؤسسات الدولة وتعمل على صوغ دستور جديد واجراء انتخابات نيابية وتعددية حرة في اشراف الأمم المتحدة. وصيغة جنيف المدعومة من كل الدول المعنية باستثناء ايران تعترف بالمعارضة السورية الحقيقية على اساس انها شريك رئيسي في عملية حل الازمة وبناء نظام جديد”.

وخلص المسؤول الاوروبي الى القول: “ان التمسك بخيار منظومة القوة يتناقض مع مصالح القيادة الروسية وطموحاتها الحقيقية. فالقيادة الروسية تريد ليس فقط الحفاظ على مصالحها في سوريا بل تعزيز دورها في الساحتين الاقليمية والدولية وتقوية موقفها التفاوضي مع اميركا والدول الغربية عموماً، ولن تتحقق هذه الاهداف من طريق التمسك بورقة الاسد الخاسرة وببقاء نظام دمر سوريا وألحق بها الكوارث، بل انها تتحقق من طريق التعاون مع الدول المؤثرة بهدف تطبيق صيغة جنيف والمجيء بزعيم جديد وقيادة جديدة تمتلك الشرعية وتبني سوريا الجديدة. وما يساعد على ذلك ان اميركا والدول الحليفة تفضّل التفاوض مع روسيا وليس مع ايران من أجل حل الأزمة السورية”.