IMLebanon

ضربة بوتين للأسد

“قرار الرئيس فلاديمير بوتين سحب الجزء الأساسي من القوات الروسية في سوريا يغيّر قواعد اللعبة ويظهر أن التدخل العسكري الروسي الواسع النطاق في هذا البلد لم يكن يهدف الى التوّرط في حرب طويلة باهظة الثمن وغير مجدية لأن حل النزاع سياسي وليس عسكرياً بل كان يهدف الى دفع نظام الرئيس الأسد الى الانخراط في عملية تفاوضية جدية مع المعارضة وإعطاء الأولوية ليس لضمان بقاء الأسد بأي ثمن بل لعقد صفقة مع أميركا تحقق للروس مكاسب سياسية واستراتيجية وتؤدي الى انهاء الصراع السوري”. هكذا اختصر مسؤول دولي في باريس أبعاد وأهداف القرار المفاجئ الذي أعلنه بوتين الاثنين الماضي وصدم الأسد لأنه يتناقض مع حساباته ومخططاته، وسلّط المسؤول الضوء على الوقائع والحقائق الأساسية الآتية المرتبطة بهذا القرار المهم:

أولاً، اتفق بوتين والأسد سراً في تشرين الأول على أمرين أساسيين: أولاً أن تتدخل روسيا عسكرياً على نطاق واسع في سوريا من أجل منع انهيار النظام وتعزيز مواقعه في مواجهة خصومه وضرب “داعش” والتنظيمات الارهابية وقوى المعارضة. ثانياً، أن حل النزاع سياسي وليس عسكرياً وينبغي تالياً إطلاق عملية تفاوضية جدّية بين ممثلي النظام والمعارضة في الوقت المناسب وبعد أن تهيئ القيادة الروسية الظروف المناسبة لها بالتفاهم مع الادارة الأميركية. لكن الأسد لم يحترم هذا الاتفاق بل أراد دفع روسيا الى التورّط في حرب طويلة في مقابل تمسّكه بشروطه المتشدّدة لحل النزاع المرفوضة دولياً واقليمياً.

ثانياً، في شباط الماضي أنجزت أميركا وروسيا اتفاقاً رسمياً بينهما يشكل تحوّلاً سياسياً في مسار النزاع، اذ أنه يفرض من جهة وقف الأعمال العدائية فترة زمنية غير محدّدة في سوريا، ويسحب من الأسد صلاحية محاولة انهاء الحرب استناداً الى مطالبه وشروطه، كما يسحب منه ورقة استخدام سياسة التجويع والحصار ضد المعارضين والمدنيين. والأهم من ذلك أن هذا الاتفاق ينص بوضوح على أن أميركا وروسيا “عازمتان على تقديم أقوى دعم لانهاء النزاع السوري وتهيئة الظروف لعملية انتقال سياسي ناجحة يقودها السوريون بتيسير من الأمم المتحدة من أجل التنفيذ الكامل لبيان ميونيخ وقرار مجلس الأمن الرقم 2254 وبيان فيينا وبيان جنيف للعام 2012″ وهي نصوص تشدد كلها على أن الحل السياسي يتطلب الانتقال الى نظام جديد تعددي وتشكيل هيئة حكم انتقالي ذات سلطات تنفيذية كاملة”. وترافق اعلان الاتفاق الاميركي – الروسي مع تأكيد بوتين للرئيس باراك أوباما أنه هو صاحب القرار في سوريا وليس الأسد. وقد أصدر مجلس الأمن القرار 2268 الذي تبنى فيه هذا الاتفاق ومنحه شرعية دولية.

ثالثاً، بعد خرق النظام السوري الهدنة ومضمون الاتفاق الاميركي – الروسي طالبت الإدارة الأميركية القيادة الروسية بممارسة ضغوط جدية على الأسد لدفعه الى تنفيذ التفاهمات المتفق عليها، بل أنها اقترحت أن تهدد موسكو بسحب قواتها من سوريا في حال رفض الرئيس السوري الرضوخ للمطالب الأميركية – الروسية.

رابعاً، لم تتبلغ واشنطن سلفاً قرار بوتين، لكن مسؤولاً أميركياً رفيع المستوى زار باريس في وقت سابق من هذا الشهر أبلغ المسؤولين الفرنسيين أن إدارة أوباما على اقتناع بأن الرئيس الروسي ينوي الضغط على الأسد من أجل تطبيق الحل السياسي للأزمة وهذا مردّه الى عاملين أساسيين: الأول أن التدخل العسكري الروسي الواسع في سوريا منح بوتين قدرة أكبر على ممارسة الضغط القوي على الأسد من أجل دفعه الى تطبيق الحل السياسي المتفق عليه دولياً، الثاني أن بوتين يريد تحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية وليس التورّط في حرب طويلة باهظة الثمن ستقود الى طريق مسدود، مما يتطلب من القيادة الروسية التعاون جدياً مع أميركا وحلفائها من أجل حل الصراع سياسياً من طريق تطبيق القرارات والتفاهمات الدولية.

خامساً، تجاهل الأسد القرارات الدولية والتفاهمات الأميركية – الروسية على ضرورة التفاوض من أجل تنفيذ عملية انتقال السلطة الى نظام جديد تعددي، فأعلن المسؤولون السوريون رفض مناقشة انتقال السلطة وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي مع المعارضة وأكدوا معارضتهم الانتخابات الرئاسية المسبقة وطرح مصير الأسد على طاولة التفاوض في جنيف. فتلقى الأسد ضربة بوتين.

وخلص المسؤول الدولي الى القول: “خطأ الأسد كبير اذ انه يشكل تحدياً لروسيا وللدول المؤثرة الأخرى ويضعه أمام خيارين: اما مواصلة التحدي الأمر الذي يقود الى انهاء حكمه، وإما التفاوض جدياً مع المعارضة الأمر الذي يقود الى نظام جديد وانهاء حكمه”.