تكتسب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المقرّرة بعد غدٍ الإثنين إلى القاهرة أهمّية كبرى، خصوصاً أنّها تأتي في ظروف استثنائية، نظراً للأحداث التي تعصف بالمنطقة من جهة، وللتوتّر الحاصل بين روسيا والغرب من جهةٍ أخرى.
يزور بوتين مصر بعد نحو عشر سنوات على زيارته الأولى، ووفق الديبلوماسيين الروس فإنّ موسكو تعوّل على تلك الزيارة بشقّيها السياسي والاقتصادي، خصوصاً أنّ مِن المنتظر أن يتمّ خلالها توقيع حزمة اتفاقات جديدة بين البلدين تتناول كثيراً من القطاعات المهمّة، وفي مقدّمها التبادل التجاري، وزيادة مشاركة الشركات الروسية في بناء المرافق الحيوية في مصر، كما أنّ موسكو ستقدّم عرضاً لإنشاء بنية تحتية نوَوية شاملة روسية الصنع على غرار محطات الطاقة الكهروذرّية، انطلاقاً من الاتفاقية التي وقّعها الطرفان عام 2008، في شأن التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرّية.
ليس خفياً أنّ العلاقات السياسية بين البلدين قد بدأت تتطوّر بعد سلسلة مؤشّرات، أبرزُها زيارة المشير عبد الفتّاح السيسي لموسكو قبل ساعات من إعلان ترشّحِه للرئاسة المصرية، وما إنْ تربّعَ على عرش هذه الرئاسة حتى كانت موسكو أولى محطاته الخارجية، ما يشير في وضوح إلى أنّ الرجُل ينظر إلى روسيا حليفاً استراتيجياً يمكن الرهان عليه في أوقات الشدّة.
أمّا من الجهة الروسية فإنّ زيارة بوتين للقاهرة تندرج في إطار حراك موسكو لكسرِ قيود العزلة التي تحاول واشنطن وحلفاؤها الغربيّون فرضَها عليها سياسياً واقتصادياً.
خبراء الاقتصاد الروس يعتبرون فتحَ الأبواب التجارية مع مصر في هذا التوقيت بالذات يمكن أن يشكّل حقنة دعمٍ للعملة الوطنية بعدما أصاب منها الدولار مقتلاً.
كما أنّ تعزيز أفُق التبادل التجاري بين البلدين سيُساهم في حَلحلة أزمات اقتصادية بالنسبة إليهما على حدّ سواء، خصوصاً أنّ روسيا تشكّل المُصَدِّر الأوّل للقمح الى بلاد الكنانة، ما يعني أنّ مِن الممكن فتح قنوات تجارية جديدة في مجالات متنوّعة، خصوصاً أنّ القاهرة وقّعَت في الأمس القريب صفقة سلاح روسي بقيمة 3 مليارات دولار.
ويتوقّع المسؤولون الروس أن يوقّع بوتين والسيسي اتّفاقية تُخرج الدولار من التعامل بين البلدَين، الأمر الذي سيعزّز وضعَ الروبل الروسي من جهة، وسيدفع بملايين السيّاح الروس للتوجّه إلى مصر، بعد أن باتت أبواب أوروبا شِبه مقفلة بسبب سوء العلاقات وارتفاع سعر صرف اليورو بنحو ضعفين.
وفي ما يتعلق بالشقّ السياسي، فإنّ موسكو تراهن على عودة القاهرة الى دورها الريادي في العالم العربي وشمال افريقيا، وهو ما يوفّر لها توازناً سياسياً مع الولايات المتحدة، وبالتالي يمكنها من اللعب مجدّداً في ملفات كثيرة في المنطقة. لذا فإنّ الهدف الأساس لزيارة بوتين الى القاهرة هو ضبط إيقاع العلاقات وتحويلها في الاتّجاه المناسب.
لكن ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه المهمة ليست سهلة، إذ إنّ واقعَ مصر السياسي والاقتصادي الحالي لا يمَكّنها من الدخول بقوّة وفاعلية في كثير من الملفات، كذلك فإنّ لعبة المحاور في المنطقة لا تزال ترخي بظلالها على السياسة الخارجية المصرية، الأمر الذي يتطلب في الأساس ترتيبَ العلاقات الروسية مع عدد من العواصم العربية قبل القاهرة نظراً للدور الذي تلعبه تلك العواصم على المستويين السياسي والاقتصادي، وبالتالي فإنّ أيّ تعزيز للدور الروسي في المنطقة سيكون على حساب واشنطن، ممّا يعني فتحَ حلبةِ نزاع جديدة بين القطبَين الدوليَين لا أكثر.