IMLebanon

بوتين في أنجرليك «الخليجية»

فارق «بسيط» بين قتال الفصائل المسلحة المعتدلة في سورية بأسلحة متواضعة وبلا غطاء جوي، و «نضال» الروس ضد مَن تسمّيهم موسكو «عصابات إرهابية»، من دون أي تمييز بين المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد، ومَنْ كانوا في «جبهة النصرة»، ومَنْ لا يزالون في صفوف «داعش».

فارق «ضئيل» بين قذائف «الهاون» في أيدي الفصائل والقاذفات الروسية الاستراتيجية التي اقتربت من مواقع «الإرهابيين التكفيريين» في سورية، باتفاق مع إيران، بعدما ارتضت فتح كل منشآتها للروس، لحسم المعركة في حلب.

هكذا بات القيصر في الخليج، ومن بحر قزوين إلى المتوسط يدشّن عرض عضلات نادراً منذ الحرب الباردة، فيما الأميركيون منهمكون بمعاركهم في حملة الانتخابات الرئاسية. وإذا صحّ القول أن الرئيس باراك أوباما اختار لتفادي التورُّط بالمستنقع السوري، «تلزيم» الحرب والحل إلى القيصر، فيصدق كذلك استنتاج صفعة قوية وجّهها الكرملين أمس إلى إدارة أوباما وسياسته «الناعمة»، حين كشف نشر قاذفات من طراز «توبوليف 22» في قاعدة جوية إيرانية، باشرت قصف مواقع في سورية.

في المشهد الأولي، تقتدي موسكو بواشنطن التي تستخدم قاعدة انجرليك التركية لقصف «داعش» في سورية. وإن باتت إيران تحت المظلة الجوية الروسية إلى حين، بذريعة خفض زمن طلعات الطيران الروسي الذي يستهدف مسلّحي التنظيم في الأراضي السورية، فما لا يحتاج إلى أدلة هو توافق موسكو وطهران على سحق كل معارضة للنظام السوري ترفع السلاح في وجهه.

الأهم، عشية بدء عمليات «توبوليف 22» من القاعدة الجوية الإيرانية، هو توافق موسكو وطهران على طمأنة أنقرة، وتحييد مصير الأسد عن أولوياتها، في مقابل سحب ورقة التشجيع الروسي لإدارة كردية في شمال سورية، بما يرضي تركيا وإيران معاً، وعدم ممانعة الرئيس رجب طيب أردوغان في درس تدويل الرقابة على الحدود التركية- السورية. الهدف الواضح هو قطع شرايين التسليح والتمويل، ولكن، مرة أخرى يجدر التساؤل عن المتضرِّر الأول والثاني، «داعش» وحده أم كذلك «جبهة فتح الشام» والفصائل التي كسرت حصار النظام السوري للأحياء الشرقية في حلب؟

بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، تبدّل موقع أنقرة في حسابات «التسوية» السورية، انطلاقاً من التقارب الروسي- التركي الذي شجّع أردوغان على قبول سيناريو «حكومة الوحدة الوطنية» في دمشق، والتي لا تقصي الأسد، ضمن مهلة محددة. باتت وحدة سورية أولوية، باتت معادِلة لوحدة تركيا التي حرص الأميركيون على تسريب «مخاوف من حرب أهلية» فيها، و «قلق» على مصير أسلحة نووية مخزّنة في قاعدة إنجرليك.

وقبل الحديث عن المبادئ الثلاثة للحل في سورية، وعن التوافق بين موسكو وطهران وأنقرة، كانت التلميحات التركية الى «مفاجآت»، بعد نفي توجُّه أنقرة الى التطبيع مع نظام الأسد. «توبوليف» في همدان أم «المفاجآت» التي تطلق يد القيصر فلاديمير بوتين في رسم ما يعتبره ملامح لنظام دولي جديد، فيما واشنطن منكفئة الى قوتها «الناعمة».

وبين غرفة عمليات روسية- إيرانية- عراقية، وتنسيق روسي- إيراني- تركي، و «قاعدة» قرب همدان بعد طرطوس وحميميم، يستعجل القيصر حسم المعركة. إنها الخريطة الجديدة لنفوذ الكرملين، عدّل أول خطوطها في شبه جزيرة القرم، قبل استنساخ الأرض المحروقة في الشيشان لملء الفراغ «الأميركي» في الشرق الأوسط.

لا تتعفف طهران عن «تلزيم» موسكو مهمة سحق معارضي الأسد، ما دامت اعتبرت سورية محافظة إيرانية، لكنّ العرّاب الروسي الذي أدخلها «نفق» التفاوض مع الغرب لطيّ الملف النووي، مثلما قايض بقاء الأسد بنزع الترسانة الكيماوية السورية، يثبت بجدارة أنه تلقّف رسالة «تصدير الثورة» الإيرانية، وأرخى مظلة روسية على «الهلال الشيعي»… ليستعيد المبادرة في مواجهة «زحف الحلف الأطلسي» إلى شرق أوروبا.

صواريخ «مجنّحة» روسية في أجواء العراق وإيران، لضرب «الإرهاب» في سورية. لا مواجهة بين كبار الحرب الباردة، وما يتطلع إليه بوتين بات أبعد بكثير من استئصال دولة «داعش» بين دجلة والفرات.

صواريخ وبوارج وقاذفات تفتح أجواء المنطقة العربية ومياهها للقيصر العائد بخيبات أوباما. ولن يكون مفاجئاً أن يدعم الدور الإيراني في اليمن، فيما لا تفوّت الأمم المتحدة فرصة إلا وتشكّك في شرعية تحرُّك التحالف العربي في مواجهة الانقلاب على الشرعية.

بداية النهاية؟ الصراع على النظام العالمي الجديد في بداية فصل آخر.