برزت في الأسابيع الاخيرة علامات واضحة على تململ روسي من القيادة السورية. تململ علني هو الاول من نوعه عكس ضيق موسكو من سلوك النظام الذي حاول ان يعصى تعليماتها ويظهر مظهر سيد القرار الحر، منكراً فضل حليفه الروسي في انتشاله عن حافة الهاوية.
حاول الرئيس بشار الاسد التصرف مع بوتين كما يتصرف مع المعارضة السورية، في انفصام تام عن الواقع. فما كادت المقاتلات الروسية تفك الحصار عن قواته في بعض القواعد، حتى أطلّ على الاعلام ليعلن عزمه على القتال الى حين استعادة كل البلاد وتحقيق النصر. هذا التصريح، استدعى رداً قاسياً من موسكو، إذ حذره المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة السفير فيتالي تشوركين علناً، من أن عليه الامتثال لقيادة موسكو “إذا كان يريد حل الازمة”. وبعد أسبوع، سُجّل هجوم روسي آخر، وهذه المرة بلسان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، مفاده أن سوريا يمكن أن تصير “دولة فيديرالية”.
الهجوم الاعنف ورد في صحيفة “كومرسانت” الروسية التي انتقدت سلوك الاسد بعد رفضه اتفاق النار الذي أنجزته موسكو وواشنطن في ميونيخ، وشبهت تصرفات المسؤولين السوريين بعد المكاسب التي تحققت على الارض بـ”الكلب الذي يبدأ تحريك ذيله”.
فَهِم العالم كله أن أحد الاسباب التي حملت بوتين الى سوريا هو فرض بلاده لاعبا أساسياً الى طاولة المفاوضات للحل السوري، وتالياً على الساحة الدولية. ولا شك في أن الاسد مدرك ذلك، لكنه ربما خال نفسه يتعامل مع المعارضة السورية أو في أبعد تقدير مع المسؤولين اللبنانيين، متجاهلاً حيثيات المعادلة الجديدة.
بالطبع لن يقلب بوتين الطاولة على نفسه وينسحب من سوريا . مقاتلاته التي عادت الى قواعدها يمكنها أن تحط في سوريا متى شاء القيصر الحاصل على تفويض مفتوح من الحكومة السورية.
أنظمة “اس 400- ” باقية لتحذير تركيا من محاولة اللعب بالنار. قاعدة حميميم ستبقى محمية روسية ممنوعة على أكبر ضابط سوري، وميناء طرطوس سيظل القاعدة الروسية الوحيدة على المتوسط.
لكنّ الانسحاب الروسي المفاجئ يشكل بالتأكيد ضغطاً على الاسد بقدر ما يوجه رسائل مهادنة للغرب. أما انجازات المغامرة الروسية خلال ستة أشهر فلا ترقى الى مستوى أهدافها المضمرة. صحيح أنها منعت سقوط نظام الاسد، إلا أن المعارضة لم تُهزم وجبهات الكرّ والفر لا تزال مشرعة. هذا ناهيك بأن “داعش” بقي، وإن لم يتمدد.
أهداف أخرى لم تتحقق، ليس أقلها ابتزاز الغرب لرفع العقوبات عن بلاده.أما المنافسة مع واشنطن فلن تُحسم قبل بت المصير النهائي لسوريا.
المهمة لم تنجزْ، الا إذا كانت مثل مهمّة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن في العراق في أيار 2003.