IMLebanon

بوتين ضالع في مذبحة خان شيخون

من المفروغ منه أن روسيا تبنت نظام الأسد وتدافع عنه في «السراء والضراء»، أي سواء قتل مواطنيه بالسلاح الكيماوي أو بالبراميل المتفجرة أو في أقبية التعذيب، وتسانده في معاركه المتنقلة لاستعادة مناطق من أيدي المعارضة، ليس آخرها حلب. لكنها هذه المرة ضالعة بقوة في مذبحة خان شيخون التي ارتُكبت بغاز السارين المحظور أول من أمس، لأن «الرسائل» التي يوجهها الاعتداء روسية بالكامل.

تجمع المعلومات على أنه لم يكن يحصل في هذه المدينة البعيدة من خط التماس مع القوات النظامية، ما يستدعي الغارة الكيماوية، فلا وجود عسكرياً استثنائياً للمعارضة، ولا حشد لقواتها أو استعدادات لعملية عسكرية ما. فقط مدنيون ومستشفى. فما الذي استدعى قصفها بسلاح كيماوي لا يمكن إخفاء نتائجه ولا تمويه مصدره؟

منذ قرار بوتين نشر قواته في سورية وإنشاء قاعدة جوية أضيفت إلى القاعدة البحرية، صارت غرفة العمليات الروسية مسؤولة عن «حماية» الأجواء السورية، ينسق معها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل، لتجنب أي صدام عرضي. أما تنسيق سلاح الجو السوري غاراته معها فيدخل في تحصيل الحاصل، حتى في ما يتعلق بنشاط المروحيات العسكرية الرائجة الاستخدام.

ويعني هذا أن الروس على علم مسبق بالغارة على خان شيخون. لكن، هل كانوا على علم بنوعية القنابل الكيماوية المستخدمة؟

الجواب هو «نعم» كبيرة: فأي غارة «عادية» كانت ستقتل حتماً، لكنها لن تترك التأثير والضجة المطلوب إحداثهما واستخدامهما في توجيه رسائل روسية تحديداً إلى الولايات المتحدة والعالم.

أولى هذه الرسائل اختبار الفصل الذي اعتمدته واشنطن بين «الحربين» الدائرتين على الأرض السورية: حرب النظام بدعم روسي وإيراني ضد المعارضة والمدنيين، والحرب الأميركية القائمة أو المزمعة على تنظيم «داعش». فكلام الديبلوماسية الأميركية عن أن إطاحة الأسد لم تعد مدرجة على جدول أعمال الولايات المتحدة، يعني أن واشنطن لم تعد معنية بما يحصل على الجبهة المفتوحة مع المعارضة. لكن الكلام وحده لا يكفي بوتين، ولا بد من إثباته عملياً.

ولا بأس بالنسبة إلى موسكو في بيانات شجب للاعتداء يصدرها ترامب أو رجال إدارته، طالما أن الهدف استخدامها في معركته الداخلية المستمرة. المهم أن لا يعاود الأميركيون الخلط بين المسارين، وهذا ما حصل عندما اعتبر ترامب أن أوباما هو من قيّد أيادي الولايات المتحدة ، وأنه مجرد وارث لهذا العجز عن التدخل، ولا يستطيع أن يغير فيه كثيراً طالما يعارض الكونغرس خططه للانقضاض على إرث الرئيس السابق.

الرسالة الثانية التي تحملها مجزرة خان شيخون في طياتها، هي تبرّم موسكو من تباطؤ واشنطن في إعادة تطبيع العلاقات الثنائية، والتنسيق معها في سورية. فحملة التشكيك والفضح التي يواجهها ترامب في شأن علاقة فريقه الانتخابي بروسيا ومساعدتها في فوزه، جعلته يتريث، موقتاً على الأقل، في تطبيق سياسة التقارب مع موسكو التي طالما دافع عنها. ولا بد من إيجاد مبرر له لتخطي هذه العقبة، لأن مناقشة التصعيد الخطير في مجلس الأمن يتطلب التحدث إلى الروس لمحاولة تبديد تحفظهم عن إدانة نظام الأسد والحيلولة دون استخدامهم المرجح للفيتو، ما قد يسهل لترامب مهمته مستقبلاً.

أما إذا تمنع ترامب عن مسايرة التوجه الأوروبي لأدانة نظام الأسد، وهذا وارد بذرائع مختلفة، تكون روسيا قد عمقت الشرخ البادئ في العلاقات عبر ضفتي الأطلسي، والريبة التي تطبع ترقب العواصم الأوروبية لمواقف إدارة ترامب من القضايا الدولية. ويشكل ترك أوروبا وحيدة وضعيفة في مجلس الأمن الرسالة الروسية الثالثة.

بكلام آخر، يقول بوتين للعالم كله أن الأسد يستطيع أن يفعل ما يشاء في سورية طالما هو في حمايته. وبالفعل لا يختلف القتل بالغاز عن القتل بالقصف أو بالحصار والتجويع أو تحت التعذيب.