الحماسة التي خرجت الى العلن من طهران الى بيروت مروراً بدمشق بعدما قررت موسكو الدخول عسكرياً في سوريا لها ما يبررها. فقد جاء هذا الدخول العسكري الروسي الذي يشغل العالم حالياً على خلفية تطورات مقلقة بالنسبة الى الرئيس فلاديمير بوتين الذي تلقى رسالة من رئيس النظام السوري بشار الاسد حملها اليه اللواء علي المملوك وفيها طلب نجدة بعدما صار حكم الاسد على شفير الانهيار وسط توتر شديد بين الفرقة الرابعة في الجيش بأمرة شقيق الاسد ماهر والحرس الثوري الايراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني. وفي الوقت نفسه كانت المعارضة السورية تتقدم على كل الجبهات مما جعل النظام السوري وإيران يقبلان هدنة في الزبداني والفوعة وكفريا مما شكل هزيمة قاسية للنظام و”حزب الله” الذي مني بخسائر بشرية فادحة خلال أسابيع القتال في الزبداني.
الحذر الذي مارسته موسكو ولا تزال في تبرير تدخلها العسكري يعبّر عن عقلية روسية تقليدية. وفي إطار ذلك ربط الكرملين هذا التدخل بمحاربة داعش وإبداء الاستعداد للمشاركة في صنع حل سياسي للازمة السورية. لكن هذين الهدفين سقطا سريعا بعدما وجهت الطائرات الحربية الروسية صواريخها في اتجاه غير “داعش” وبعدما رفض معظم العالم شرط روسيا أن يكون الحل السياسي مقترنا ببقاء الاسد في السلطة.
خريطة الطريق الروسية في سوريا ستكون وفق خبراء الدويلة العلوية التي تمتد من دمشق الى اللاذقية. وهي قابلة للتعديل جنوبا إذا ما قرر الدروز الانضمام الى هذه الدويلة. وهذا يفسر لماذا كانت الغارات الروسية الاولى في غرب حمص وحماه ضد مواقع لا وجود لـ”داعش” فيها لكنها تمثل حدود الدويلة، كما يفسر الانباء التي تحدثت عن تحرك قوات ايرانية و”حزب الله” الى جبهات الشمال السوري مجددا. وربما لن يطول الوقت قبل أن تتحرّك مجددا جبهات القتال القريبة من الحدود مع لبنان لتصفية بؤر المعارضة السورية على الخط الممتد بين دمشق والساحل السوري. وإذا ما سارت الامور كما يشتهيها بوتين فستكون النتيجة استباب أمر دويلة تضم معظم الاقليات السورية بزعامة علوية التي كانت منذ أكثر من 45 عاما تحكم كل سوريا.
“حزب الله” يكاد أن ينفجر فرحا بهذا التغيير الدراماتيكي في المشهد الميداني السوري. فبالاضافة الى التغطية الحماسية من إعلام الحزب للوقائع الميدانية كان الموقف الصريح للامين العام السيد حسن نصرالله ونائبه الشيخ نعيم قاسم في التهليل للدخول الروسي الذي نقل سوريا الى “مرحلة جديدة… لمصلحة مشروع جديد دعامته الرئيس بشار الاسد” وفق تعبير قاسم. وأبلغت اوساط بارزة في الحزب جهات سياسية لبنانية ان قيادته تعيد النظر في حساباتها الداخلية. وتوازيا، تردد أن العماد عون صار يتطلع الى قصر بعبدا بدعم روسي ولم يعد آبها لتسويات جرى طرحها في الايام الماضية.
إنها مرحلة صار فيها بوتين مرشدا وأصبح فيها نصرالله رفيقا في حزب ولي الفقيه الروسي!