IMLebanon

وساطة بوتين التي ستتأخر

استبق مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي وصول الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى طهران فأبدى نوعاً من الاعتذار بنعته إحراق سفارة السعودية وتحطيم قنصليتها في بلده بـ «الممارسات السيئة للغاية والتي تضرّ بإيران والإسلام». لكن هذا الأسف المتأخر الذي لا يرقى إلى الاعتذار، لا يكفي لتبريد العلاقة السعودية – الإيرانية لأن عناصر تسخينها تتجاوز الاعتداء على سفارة وقنصلية نحو سياستين متناقضتين في المنطقة والعالم، ونحو تدخُّلات إيرانية تعتبرها السعودية سبباً رئيسياً في تدهور الأحوال في العراق وسورية والبحرين واليمن، فضلاً عن إرباكات تتسبب بها أذرع في دول عربية أخرى أبرزها لبنان.

وتأتي زيارة الرئيس الصيني الرياض وطهران (القاهرة أيضاً في برنامج جولته في المنطقة) بعد زيارة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف العاصمتين السعودية والإيرانية، لكن البيانات الرسمية عن الزيارتين تهمل الإشارة إلى مسعى صيني أو باكستاني لإصلاح ما انكسر بين الرياض وطهران، وربما تبقى المساعي في الغرف المغلقة لأن الأزمة في ذروتها بين البلدين، وتؤكدها الاتهامات المتبادلة على ألسنة مسؤولين كبار.

ربما تبدو باكستان للوهلة الأولى الأجدر بمهمة رأب الصدع لأنها ترتبط بعلاقة صداقة عميقة، بل بأخوّة، مع السعودية، ويصل الأمر بمعلق باكستاني إلى القول أن أي حاكم لباكستان يُسقطه الشعب في الانتخابات إذا لم يقف في صفّ السعودية، تجاه أي مشكلة سياسية إقليمية أو دولية تواجهها، فيما يتكرر كلام إسلام آباد عن جاهزية الجيش الباكستاني للدفاع عن المملكة العربية السعودية في أي عدوان تتعرض له. لكن علاقة إسلام آباد بطهران تبقى حسنة بين دولتين جارتين ولا ترقى إلى مستوى يسمح بضغط باكستاني على إيران لتعديل سلوكها السياسي تجاه العالم العربي.

الأزمة مع طهران مرشّحة للاستمرار طالما استمر قادتها بالتدخُّل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، سواء بالتصريحات الحادة أو التحريض، أو الحرب بالواسطة عبر أحزاب ومنظمات وهيئات توجّهها طهران من بُعد.

ويرى مراقبون أن موسكو مرشحة أكثر من غيرها للضغط على طهران لتتخلى عن تدخّلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، فروسيا حليفة أساسية لإيران اقتصادياً وسياسياً وربما عسكرياً، وهي من كبار داعميها في مرحلة الحصار والعقوبات والمحادثات الماراثونية في المجال النووي. وفي المقابل تحتفظ موسكو بعلاقة طبيعية مع الرياض تبدو منتعشة بين وقت وآخر.

لم يحن موعد زيارة بوتين الجديدة إلى السعودية، في انتظار تبدُّلات في السياسة الإيرانية ما بعد الاتفاق النووي يحجبها دخان الحملات الإعلامية، ولكن، تبرز علاماتها في ثنايا تصريحات قادة إيرانيين، وهؤلاء ينتظرون انقضاء مرحلة الانتخابات في بلدهم ليطلق معظمهم بوضوح كلام التهدئة وفعلها.

ربما هي نظرة متفائلة تستبعد مزيداً من الحروب في منطقة يكاد معظم مدنها يتهدّم، خصوصاً في سورية والعراق. والنظرة هذه تستبعد دوراً باكستانياً لأسباب إيرانية، ودوراً صينياً لأسباب صينية في الدرجة الأولى: فإذا استثنينا مشاركة بكين موسكو في فيتوات عدة على مشاريع قرارات في مجلس الأمن تتعلق بسورية، فإن سياسة الصين تبدو متوازنة مع سعي إلى عدم التحيّز ودعم الاستقرار، تقديراً منها لموقع المنطقة الاستراتيجي ولمواردها النفطية التي تتزايد حاجة الصين إليها في نهضتها الصناعية.

وأصدرت الحكومة الصينية أمس وثيقة حول سياستها تجاه الدول العربية تتصف بالتوازن القائم على «الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخُّل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي». تلك المبادئ الخمسة، لا تتضمن استعداداً للتدخُّل في الخلافات بين قطبين أو أكثر في الشرق الأوسط.