المسألة ليست إستفزازات عسكرية فحسب، انها مسألة زكزكة متزايدة للهيبة الأميركية ولصورة الردع الذي تمثله أقوى دولة في العالم، فمن الواضح ان عمليتي التحرّش المتعمّد اللتين نفذتهما المقاتلات الروسية في خلال ٤٨ ساعة بالقوات الأميركية في بحر البلطيق، ليستا حادثين عابرين لن يؤديا طبعاً الى إشتباك روسي – أميركي، بل هما معنوياً إمتهان حقيقي للهيبة الأميركية!
في ١٤ من الجاري حلقت مقاتلتان روسيتان من طراز “سوخوي ٢٤” في ما يشبه محاكاة هجوم على بعد تسعة أمتار من المدمرة الأميركية “يو اس اس دونالد كوك” في مياه دولية في بحر البلطيق، وبعد يومين اعترضت مقاتلات روسية طائرة إستطلاع أميركية من طراز “بوينغ آر سي ١٣٥” كانت تحلّق في أجواء دولية في منطقة البلطيق أيضاً.
وزارة الدفاع الأميركية اعتبرت انها استفزازات خطيرة وقد تؤدي الى الأسوأ وانها تتكرر منذ العام الماضي وباتت تثير قلقاً جدياً، في حين قال جون كيري إن هذا سلوك متهور واستفزازي وخطير لا ينمّ عن وعي وبموجب قواعد الإشتباك كان يمكن إسقاط الطائرتين، ولقد أبلغنا الجانب الروسي الخطر الذي يمثله، و”لن يتمّ ترويع الولايات المتحدة في أعالي البحار”!
المسألة لا تتعلق بالترويع بل بتدمير الهيبة وتهشيم الصورة، من منطلق المثل العربي الذي يقول “من يَهُن يسهل الهوان عليه”، فلقد هَان باراك أوباما كثيراً منذ بدأ بالتسلل الى خارج المسرح الدولي على رؤوس أصابعه، ولقد شاهد العالم هذا الهوان امام فلاديمير بوتين تحديداً في أوكرانيا ثم في سوريا.
ومن الواضح جداً ان السياسة الخارجية لأوباما غرقت في الإرتباك وراكمت الفشل والتراجع أمام إندفاع بوتين، الذي يعرف ان بلاده عانت عقدين من الإذلال الأميركي بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي وخسرت هيبتها، وليس من طريقة لإعادة هذه الهيبة إلا رفع التحدي في وجه أميركا المرتبكة بين مغالاة جورج بوش في الحروب الخارجية ومغالاة أوباما في الإنكفاء خارج المسرح الدولي!
ما جري في بحر البلطيق ليس مجرد حوادث عابرة ومن المؤكد انه لن يقود الى ما هو أسوأ، لكنه سيفعل فعله في التأثير على هيبة أميركا وقوتها الرادعة، ومن الواضح ان الروس تعمّدوا فعلاً الإستفزاز، وليس صحيحاً ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية من ان طياريها تراجعوا بعدما رصدوا المدمرة الأميركية، وان موسكو تلتزم بصرامة القوانين الدولية لإستخدام الأجواء فوق المياه الدولية.
والدليل على هذا ما كشفه “البنتاغون” من ان مروحية روسية حلّقت سبع مرات فوق المدمرة الأميركية وإلتقطت صوراً وان المقاتلتين حلقتا ١٢مرة وعلى مسافة تسعة أمتار في ما يشبه محاكاة هجوم ولم تردا على التحذيرات وكان يمكن اسقاطهما… وليس المقصود سوى المسّ بالهيبة الأميركية التي أسقطها أوباما!