لا حاجة الى رفع الصوت في موسكو. ولا فائدة من تكبير الكلام في واشنطن. فالحرب الباردة الجديدة لا تزال في بدايتها. وحرب سوريا ليست في نهايتها. والكل يبدو كأنه يصحّح مبدأ الرئيس الأميركي تيدي روزفلت القائل قبل مئة عام: تكلم بصوت ناعم واحمل عصا غليظة. فالروس يضيفون التهديد بلهجة عالية جداً الى حمل العصا الغليظة والضرب، لا التلويح بها إذ هم يملأون المسرح السوري براً وجواً وبحراً، ويستمرون في القصف التدميري لحلب واستخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع قرار فرنسي – اسباني لوقف النار والطلعات الجوية فوق حلب وادخال المساعدات الانسانية. والأميركيون حائرون. يبحثون في فعل ما لا يريده الرئيس باراك أوباما: توجيه ضربة عسكرية الى سلاح الجو السوري. ويبحثون عما يستطيعون القيام به من دون أن يقود الى عواقب ما سمّاه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اللعبة الخطرة.
ذلك ان أوباما تمسّك منذ بدايات الحرب بالنظرة القائلة ان سوريا ليست مصلحة حيوية لأميركا، وانه لا شيء ينجح هناك أقل من ارسال قوات أميركية كبيرة وان ثمن اللافعل وخطره أقلّ من ثمن الفعل وخطره.
وعلى العكس، فان الرئيس فلاديمير بوتين رأى بوضوح لعبة الصراع الجيوسياسي في سوريا وامتدادها الى الشرق الأوسط، ثم قرّر في نهاية أيلول من العام الماضي الانخراط العسكري الروسي المباشر. لا فقط لحماية النظام ومحاربة الارهاب وضمان الوجود العسكري الدائم بل أيضاً من أجل أهداف أوسع تبدأ من أوكرانيا ولا تنتهي بفرض الشراكة على أميركا من خلال زرع الشوك على طريقها.
والواقع ان بوتين حقق حلم القياصرة وفعل ما لم يستطعه بطرس الأكبر: اقامة قواعد بحرية وجوية على شواطئ المياه الدافئة في المتوسط، وسط حديث عن قاعدة في مصر الى جانب القواعد في سوريا. وهو عمل ما لم يرد السوفيات القيام به: التدخّل العسكري المباشر في مناطق خارج ما يسمّى في موسكو الجوار القريب. لا بل ان العاصمة الروسية تتحدث عن التفكير في العودة الى قواعد قديمة في كوبا وفيتنام.
والسؤال في معزل عما يفعله الغرب الأميركي والأوروبي هو عن أثقال الطموحات الامبراطورية على اقتصاد ضعيف. والجواب الذي يقدّمه رئيس تحرير روسيا في قضايا كونية فيدور لوكيانوف هو ان روسيا تفوّقت على خصومها الغربيين في المناورة خلال أزمات أوكرانيا وسوريا، لكن التحدّي الصعب أمامها على المدى الطويل هو ايجاد دور ذي صدقية في نظام عالمي جديد متعدّد القطبية.