كتب الكثير ولا يزال حول إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب معظم قواته العسكرية من سوريا، لكن قليلا نشر حتى الان حول موقف طهران من هذا الانسحاب. بالطبع، كان وقع الاعلان في بدايته على محافظي إيران صعبا فيما سارع وزير الخارجية محمد جواد ظريف الى التخفيف من وطأته خلال وجوده في أوستراليا فقال: “الان علينا أن ننتظر ونرى”. وعندما إستوعب المحافظون الامر حاولوا إستعادة صورة 30 أيلول الماضي عندما قرر بوتين التدخل في سوريا فأكد مستشار المرشد الامام خامنئي علي أكبر ولايتي أن سحب الرئيس الروسي قواته”لن يؤدي الى حدوث أي تغيير في التعاون الشامل بين إيران الاسلامية وروسيا وسوريا وسائر الحلفاء كحزب الله”.
لا تخفي مصادر لبنانية ذات صلة بطهران أن الاخيرة كانت تريد من موسكو أن تحافظ على زخم الاندفاعة العسكرية التي حققت إنقلابا في ميزان القوى. وسعت من خلال زيارة وزير دفاعها حسين دهقان في منتصف شباط الماضي لموسكو الى ثني الكرملين عن السير في خطة وقف إطلاق النار في سوريا تحضيرا لمؤتمر جنيف – 3. وعلى ما يبدو، لم يرق هذا الطلب الايراني لروسيا التي تسعى الى تحقيق مصالح اوسع من تلك التي تربطها بإيران.وقد إستدعى سوء الفهم هذا قيام وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بزيارة طهران في 21 شباط الماضي في مهمة ذات صلة بوقف إطلاق النار السوري. وتبيّن لاحقا أن الجانب الايراني أستوعب الطلب الروسي بضرورة الانضباط في الحسابات الروسية في سوريا، كما ان وسائل الاعلام الروسية لم تخف الجانب المالي في زيارة دهقان لموسكو ، فكتبت صحيفة “كوميرسانت” تقول أن في نية طهران إبرام صفقة أسلحة جديدة مع روسيا بقيمة 8 مليارات دولار.
في مقابل هذا المشهد الايراني الذي يعتبر ان العلاقات بين طهران وموسكو المدعومة بمليارات التسلّح تكفي لكسب ود التدخل العسكري الروسي في سوريا لمصلحة نظام بشار الاسد ،هناك قراءة أخرى تفيد ان موسكو إمتعضت من عدم إنسجام إيران مع الاتفاق النفطي الذي عقدته موسكو والرياض مع دول منتجة أخرى لكي يتم المحافظة على سقف الانتاج عند حد يسمح بتحسين سعر البرميل وهو أمر ملح جدا بالنسبة للواقع المالي الروسي المأزوم.
ما يحصل الان أن جيش ولاية الفقيه يستعد لشتى الاحتمالات كي لا يعود ميزان القوى الى ما قبل 30 أيلول الماضي.. فوكالة أنباء فارس أوردت في 16 الجاري أن نائب القوات البرية الجنرال علي أرسته قال إن طهران في مرحلة معينة قد تقرر” إستخدام الكوماندوس والقناصة كمستشارين عسكريين في العراق وسوريا”. أما موسكو فقالت انها كانت في سوريا “من أجل أنفسنا” على حد تعبير المتحدثة بإسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا وكأنها تقول بلسان بوتين: يا عزيزي خامنئي، الامر لي فأنا القيصر “.