Site icon IMLebanon

بوتين يُضعِف أميركا وأوروبا ويؤذي تركيا

أكّد دنيس روس، وهو مسؤول أميركي سابق، في مقال نشرته “لوس أنجلس تايمس” أن العمليّة السلميّة في سوريا ليست أولويّة عند الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدليل عدم بذله جهوداً جديّة لوقف إطلاق النار، وزيادته زخم العمليّات العسكريّة، وعدم وقفه استعمال الرئيس بشار الأسد البراميل المتفجّرة، وتجويع الناس. إذ عندما كان وزير خارجية أميركا جون كيري يضغط على المعارضة المعتدلة للاشتراك في المفاوضات، كان الروس يزيدون دعمهم للقوات السوريّة والإيرانيّة في عمليّاتها الهجوميّة.

وأشار روس إلى أن طبيعة الضربات الروسيّة تُوضح أن بوتين لم يكن يُحسِّن قوّة الأسد قبل المفاوضات، بل كان يعمل لتغيير ميزان القوى على الأرض وتوجيه رسالة إلى القادة العرب يقول فيها: “قد لا تحبّون دعمنا الأسد، ولكنّنا بخلاف الأميركيّين نقف مع أصدقائنا. وإذا أردتم معالجة مشكلات سوريا فتعاملوا معنا”. ولفت إلى أن بوتين يريد إظهار روسيا، لا أميركا، الوسيط الرئيسي في الشرق الأوسط وتدريجاً في مناطق أخرى. لذا فإن هدفه استعمال الصراع في سوريا وليس إنهاء الحرب التي فجَّرها. وهو يرمي إلى ضرب المساعي الأميركيّة لعزل “داعش” ولجعل السنّة يقودون المعركة ضدّه. وتركيا والسعوديّة وقطر والإمارات المتحدة والأردن، وكل دولة مسلمة سنيّة، لن تنضم إلى الحرب عليه إذا استمر استهداف السنّة عموماً في سوريا.

وتحدّث مُتابع أميركي جدّي في واشنطن، فقال إن بوتين يرمي إلى تحقيق أهداف عدّة أبرزها الآتية:

1 – تقديم الدليل للمنطقة والعالم على أن أقوى دولة اليوم (أميركا) خاضت روسيا ضدّها حرباً عسكريّة في الشرق الأوسط (سوريا) و”كسرتها” فيها.

2 – إن العدو الأول لروسيا في الشرق الأوسط هو تركيا. كما أن روسيا هي العدو الأوّل لتركيا في العالم. واستناداً إلى مؤرّخي حقبة السلطنة العثمانية، فإن 17 حرباً وقعت بين الدولتين تبادلتا خلالها الربح والخسارة واحتلال الأراضي. إنطلاقاً من ذلك، فإن بوتين يُساهم في خلق كيان كردي، وإن غير مستقل في سوريا، على قسم من حدودها مع تركيا ترفضه الأخيرة، وتسعى إلى منعه خشية أن يساهم مباشرة أو مداورة في حصول الأكراد الأتراك، وعددهم 14 مليوناً، على وضع مُشابه. وهو لا يمانع في وضع كهذا داخل تركيا. كما أنّه يرسل إليها آلافاً من اللاجئين السوريّين ويضاعف أعباءها الماليّة والأخطار الأمنيّة عليها.

3 – زعزعة استقرار أوروبا بالمساهمة في إرسال عشرة ملايين لاجئ سوري وغير سوري إلى دولها، وذلك يضعفها ويوجّه رسالة مباشرة إلى دول أوروبا الوسطى التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي، تفيد أن انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي والتحاقها بزعامته الأميركية لن يحميها، وتدعوها إلى العودة إلى الحضن والحماية الروسيّين. وفي هذا المجال لا بد من الاشارة إلى أن أوكرانيا، إلى دول البلطيق الثلاث، قد تكون المستهدفة الأولى، إذ إن روسيا تعتبر بقاءها في دائرة نفوذها مسألة حياة أو موت.

ماذا تفعل أميركا جرّاء ذلك كلّه؟

تستمر في البداية في الضغط لإطلاق عملية السلام في سوريا رغم إغلاق روسيا بعمليّاتها العسكريّة آفاق الحل الديبلوماسي. وتستمر في الإيضاح لموسكو أنها ستدعو السنّة إلى الانضمام للحرب ضد “داعش” إذا لم تفرُض على الأسد و”حزب الله” وقف نار ودمار. كما أنّها ستنخرط في العمل لإقامة منطقة آمنة داخل سوريا رغم أخطارها الكثيرة. وهذا آخر ما يريده بوتين لأنّه يخفّف تدفّق اللاجئين إلى أوروبا ويُضعف ضغطه لاخضاع أوكرانيا، وتالياً لرفع العقوبات عن بلاده.

أمّا ردّ فعل الرئيس الروسي فيجب أن يكون عاقلاً في رأي المُتابع الأميركي نفسه، بعدما أعاد روسيا لاعباً شرق أوسطيّ مهمّاً، وبعدما أبقى الأسد على “عرشه” ولكن من دون توسّع، تلافياً للوقوع في أزمة تستنزف مالها واقتصادها وتعرقل تحديث جيشها.

وإذا لم يكن رد الفعل على هذا النحو، فإن أميركا باراك أوباما ستتدخّل وإن في آخر سنة من ولايته، مع السعودية وتركيا، لأنه يتعرّض لضغوط كبيرة جداً ستزداد مع الوقت. علماً أن من أسبابه الجديدة لرفض التدخّل عدم ضرب حظوظ مرشّح حزبه الديموقراطي في الوصول إلى البيت الأبيض مطلع السنة المقبلة.

ألا يذكِّرنا ذلك بحكاية: “إجا الديب”؟