لو استثنينا مسعى قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني الذي ذهب مرتين الى موسكو «مترجياً» الكرملين التدخل الروسي في سوريا لإنقاذ الأسد، فإنّ مجيء المقاتلات الروسية من طراز «السوخوي 24» كان مفاجأة من «القيصر» رئيس روسيا «بوتين»… وطبعاً كثر الحديث والتفسيرات والاجتهادات والتحليلات عن الأسباب التي حملت بوتين على اتخاذ ذلك القرار المفاجئ وعن مهمات التدخل في الحرب السورية وأهدافه.
فلو عدنا الى العام 1973 واستذكرنا ما حدث بعد الحرب بين مصر وسوريا من ناحية والعدو الاسرائيلي من ناحية ثانية وكيف تدخلت أميركا عسكرياً بجسر جوّي إنقاذاً لإسرائيل، لأنّ القوات المصرية عبرت خط «بارليڤ» التاريخي الذي كانت تقول إسرائيل إنه أهم حاجز لحمايتها، وربما كان أهم خط دفاعي في التاريخ وربما أهم من خط ماجينو في الحرب العالمية الثانية، وفي المقابل تقدم الجيش السوري ووصل الى بحيرة طبريا… يومها شعر وزير خارجية أميركا أنّ أمن إسرائيل مهدّد لا بل انّ مصير الدولة العبرية مهدّد بأي اتفاق بين مصر وسوريا والسعودية وعدد من الدول مثل الاردن والمغرب والكويت وهذه كلها شاركت في حرب تشرين 1973 المجيدة…
من هنا، انطلق هنري كيسنجر يبحث عن كيفية حماية إسرائيل، فما كان منه إلاّ أن أخرج مصر من الصراع العربي – الاسرائيلي في مرحلة أولى وهكذا حصل، إذ استطاع إقناع الرئيس المصري أنور السادات الذي قال في خطاب رسمي ألقاه في اليوم الثالث بعد بدء حرب 6 تشرين (اكتوبر) إنّه لا يستطيع أن يحارب أميركا واضطر تحت الضغط العسكري الاميركي والتهديدات الاميركية بالقبول باتفاق «كامب ديڤيد» الذي أخرج مصر، وهي أكبر دولة عربية، من الصراع واتفق كيسنجر مع السادات على إعطاء مصر مساعدات عسكرية أميركية ومساعدات مغرية لإخراجه من الصراع العسكري مع إسرائيل أولاً واستبدال السلاح الروسي بالسلاح الأميركي وهكذا خسرت روسيا أكبر دولة عربية كانت تعتمد عليها اعتماداً كبيراً.
في العام 2003 جرى الغزو الاميركي للعراق وإلغاء الجيش العراقي وكان هذا أوّل قرار تتخذه أميركا بعد دخولها العراق ما يعني أنّ روسيا هنا أيضاً خسرت سوقاً مهماً وغنياً جداً هو سوق العراق.
وفي العام 2011 بدأت الثورة الليبية (بتاريخ 17 شباط)، والجميع يعلم أين ليبيا اليوم وقد أصبحت دولاً عدة، ولا أحد يعرف مع أي دولة يتحدث، وهنا خسرت روسيا ليبيا أيضاً.
أمام هذا الواقع رأى القيصر بوتين أنّه لم يعد له في العالم العربي إلاّ سوريا، وإنطلاقاً من ذلك قرر الدخول الى سوريا، وهنا علينا أن نتنبّه الى أنّ هذا الدخول كان لسببين: السبب الأول هو أنّه لا يريد سقوط الدولة كدولة، وهنا علينا أن نفرّق بين الدولة والنظام…
روسيا تريد الحفاظ على الدولة السورية ولا يهمّها النظام خصوصاً لو نظرنا كيف استدعى «بوتين» بشار الأسد في طائرة عسكرية لوحده من دون مرافق وأعطاه خلال لقائه التعليمات: ماذا عليه أن يفعل، وأرجعه الى دمشق.
من هنا دخلت روسيا الى سوريا من أجل الحفاظ على الدولة وليس الحفاظ على نظام بشار الأسد.
اليوم يعتبر «بوتين» أنّ المهمة التي يريد تحقيقها في سوريا قد تحققت ولذلك ترك سوريا بشكل مفاجئ وهمّه فقط إنجاح محادثات جنيڤ.
هذا الهدف الأول، أما الهدف الثاني فهو فتح صفحة جديدة مع المملكة العربية السعودية ومع دولة الإمارات العربية المتحدة وفي تقدير «القيصر» أنه يستطيع أن يحقق سوقاً للسلاح جديداً يعوّض له عن مصر وليبيا، خصوصاً أنّ الملك سلمان يدرك أهمية الحفاظ على الدولة السورية وبناء سوريا الجديدة، سوريا الوطنية وليس سوريا الطائفية، كذلك علينا أن لا ننسى أنّ المشروع الإيراني، مشروع ولاية الفقيه، سيسقط كما قال آية الله الخامنئي إذا سقطت سوريا سقطت إيران.
الملك سلمان والشيخ محمد بن زايد يدركان تمام الإدراك أنّ المشروع الفارسي يستهدف العالم العربي والاسلامي لذلك بدأت «عاصفة الحزم» في اليمن وقد أصبحت في مراحلها الأخيرة لتحقيق أهدافها.
واليوم الأمير محمد بن سلمان قائد جيش التحالف الاسلامي الذي يتألف من أكثر من 20 دولة إسلامية والمقدّر عدد المشاركين فيه بنحو 350 ألف ضابط وجندي، مع أعداد هائلة من الدبابات يربو عديدها الى 20 ألف دبابة وآلاف الطائرات المقاتلة والمروحيات العسكرية أيضاً…
إنّ هذا كله يحمل تباشير خير بأنّ العرب بقيادة المملكة العربية السعودية ومصر وبالتعاون مع دول الخليج العربي وبدعم من الدول الاسلامية الكبرى مثل الباكستان وأندونيسيا… بأنهم يتجهون الى استعادة الدور الذي حاول مشروع ولاية الفقيه أن يسرقه منهم بعدما سرق طويلاً شعار فلسطين والقدس.