طموحات سيّد الكرملين تتقاطع مع البيت الأبيض: سحب الذرائع من إيران والمنظمات المتشددة
بوتين يُغيّر البنية الاستراتيجية: تفاهمات متقاطعة تحمي قواعد الاشتباك بين إسرائيل و«حزب الله»
إعادة الدبابة الإسرائيلية رسالة رمزية: ضمان أمن إسرائيل وتقليم أظافر المحور الحليف في سوريا
يطرح التنسيق الروسي – الإسرائيلي العالي المستوى، في جملة ملفات من ضمنها الملف السوري، سؤالاً محورياً حول واقع العلاقة بين روسيا وإيران وآفاقها المستقبلية وانعكاسها تالياً على وضع «حزب الله» في سوريا، الذي يعيش حالة انكشاف بالكامل أمنياً وعسكرياً أمام إسرائيل, وفق محللين للسياسة الروسية، يذهبون إلى الاعتقاد بأن الحفاوة التي لقيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موسكو مع الذكرى الـ25 لتجديد العلاقات الدبلوماسية الروسية – الإسرائيلية، تعبّر عن عمق التحالفات والتفاهمات التي يتم صوغها بين الجانبين, ولا سيما بعدما أفضى التدخل الروسي في سوريا إلى تغيير في البنية الاستراتيجية للمنطقة برمتها.
وإذا كان قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعادة الدبابة الإسرائيلية التي كانت سوريا غنمتها عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وأهدتها لحليفتها التي وضعتها في متحف موسكو طيلة تلك السنوات، يحمل في طيّاته رسالة رمزية، لكنه في الوقت عينه يحتوي على دلالات عـدّة في وقت يحرص نتنياهو على تأكيد أهمية التفاهمات حيال الواقع الجديد في سوريا، والذي تؤثر روسيا في إنتاجه، بحيث لا يُشكّل تهديداً لأمن إسرائيل في المستقبل.
الأكيد في رأي مقرّبين من المحور الإيراني، أن ثمّة خللاً يشوب العلاقة بين روسيا وإيران والنظام السوري, أو أقله ثمة توجساً إيرانياً من الرؤية الروسية حيال التسوية في سوريا، وما بدأ يظهر من ملامح طموحات للعب دور محوري أكبر في المنطقة من بوابة الصراع العربي – الإسرائيلي. صحيح أن هذا التوجّس لا يعجب استراتيجية التحالف بين موسكو وطهران وحجمه في ظل منظومة المصالح المتداخلة والمعقدة, والممتدة على مسافة جغرافية واسعة تبدأ من بحر قزوين والغاز ولا تنتهي عند سوريا وملف الإرهاب و«حزب الله»، لكن الإدارة الدولية لموسكو في العلاقة مع واشنطن نيابة عن محور طهران – دمشق – «حزب الله» التي اعتراها الكثير من التعقيدات والشكوك، وبات الرهان على قدرة لقاء طهران في إعادة ترميم الثقة وكيفية ترجمتها، والأهم تظهير أفق المرحلة المقبلة وحدود الحركة المسموح بها، وما إذا كانت ستكرّس معالم الوضع الراهن أو تفتح الباب أمام تحوّلات على الأرض تكون حلب مسرحها تُعزّز وضع الميدان، قبل العودة المرتقبة في آب المقبل لطاولة المفاوضات، وبدء البحث في آفاق الانتقال السياسي مع إنجاز الدستور وفق الرزنامة الأميركية – الروسية.
وإذا كانت موسكو عمدت منذ تدخلها في الأزمة السورية لاعباً أساسياً إلى تقديم مسوغات لهذا التدخل لم تخرج عن دعم النظام السوري في ما أسمته «مكافحة الإرهاب» نائية بنفسها عن الصراع العربي – الإسرائيلي، وهو تُرجم حتى الأمس القريب بعدم تغيّر قواعد الاشتباك بين «حزب الله» و«إسرائيل»، ما سمح لإسرائيل بتوجيه ضربات عدّة لمواقع الحزب وقوافل نقل أسلحة كاسرة للتوازن وتصفية كبار قيادييها، وأبعاد خطر تحول المنطقة الجنوبية ملعباً للحزب، فإن الحركة الروسية الأخيرة تشي بكثير من الطموح ورغبة لدى الكرملين في تعزيز موقعه في المنطقة من بوابة الدفع قدماً نحو إنجاز التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية والعربية – الإسرائيلية، حيث حضرت في المحادثات الإسرائيلية – الروسية مبادرة السلام العربية التي طُرحت عام 2002 التي قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن نتنياهو مستعد للقبول بها من دون أي تعديلات.
ويذهب محللون للسياسة الروسية إلى الاعتقاد بأن موسكو ومعها واشنطن والغرب عموماً باتوا على اقتناع تام بأن أي تسوية حقيقية في المنطقة لا بدّ من أن تشمل حل الصراع العربي – الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وإذا كان هذا الملف الذي شكّل أولوية لدى الإدارة الأميركية مع مجيء الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى البيت الأبيض، في ظل رغبة أوباما بتسجيل إنجاز تاريخي لعهده، قد تراجع إلى مراتب متأخرة بطغيان أزمات العراق وسوريا وملف مكافحة الإرهاب وقبلها الملف النووي الايراني، فإن عودة إحيائه تنطلق من الحاجة إلى سحب تلك الورقة – الذريعة من يد إيران والتيارات الإسلامية المتشددة، إذا كان الاتجاه لبدء البحث في تسوية جدّية في سوريا والعراق تنهي النزاع القائم في المنطقة.
وفي رأي هؤلاء، فإن تأمين فرص نجاح أي تسوية مستقبلية تستلزم ليس فقط تحديد أدوار اللاعبين الإقليميين بل تقليم أظافرهم، وفي مقدمهم إيران و«حزب الله» مما يتقاطع مع ضمان أمن إسرائيل لمنع إمكانات عرقلة خيارات التسوية، حين يحين أوانها.
ويرى متابعون أن تسارعاً كبيراً للوقائع تشهده المنطقة، سواء في الأزمة اليمنية التي تتكثف الجهود الأممية ورعاة الدول الـ18 إلى دفع المتحاورين في الكويت للتوصل إلى التفاهم على خارطة طريق تؤول إلى تسوية سياسية، أو في معركة الفلوجة التي تشكل تحولاً رئيسياً في مسار الحرب على «داعش»، التي تترافق مع قطع خطوط إمداده إلى مناطق تواجده في سوريا، وتقدّم معركة الرقة، وهي وقائع لا بدّ من أن تنسحب لتطاول المشهد السوري الذي من غير المسموح فيه تغيير المعادلات القائمة على الأرض، لجهة تعزيز الحضور الإيراني من بوابة وصل الامتداد الجغرافي لشيعة العراق بسوريا ومنها إلى لبنان، حيث يتوقع المتابعون أن تتصاعد الضغوط على «حزب الله» سواء عبر الحرب الناعمة التي تتجلى بالضغوطات الأميركية، أو الانكشاف الأمني والعسكري الذي يدفع الحزب ثمناً له منذ أن دخل الحرب السورية، لكنه ثمن أضحى ثقيلاً يوماً بعد يوم تحت العباءة الروسية التي راهن محور طهران – دمشق – «حزب الله» أنها ستُشكّل دعامة لصالحه وليس على حسابه!