IMLebanon

\ مبعوث بوتين… والرسالة الأميركية إلى أردوغان؟

حتى الساعة لا يزال الغموض سيّد الموقف في تركيا التي وَأدت الانقلاب في مهده، وقد جنحَ البعض إلى حدّ اتّهام الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بافتعاله، ليضمنَ سيطرته المُطلقة على كلّ مفاصل الدولة. إتّهامٌ استخفّ به قسمٌ كبير من الأتراك، مشيرين إلى وجود أيادٍ خفيّة للاستخبارات الأميركية وراء الانقلاب، وسط احتضان واشنطن للداعية الإسلامي فتح الله غولن، العدوّ الشرس لأردوغان، وصديق الأمس، وفي خضمّ التقارب الروسي – التركي الأخير الذي بات يُزعج أميركا بقوّة.

في نظر قسمٍ من الأتراك، يُعتبر غولن «مُتعاقداً في الباطن» ويعمل لمصلحة وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية»سي اي ايه»، وقد سارَع أردوغان الى اتّهامه بالوقوف وراء «الإنقلاب الفاشل».

غولن الذي يعيش في ولاية بنسلفانيا شمال شرق الولايات المتحدة منذ 1999، ويرأس جمعية «خدمة» القوية التي تدير شبكة مدارس دينية واسعة في تركيا وحول العالم ومنظمات وشركات، ويتمتّع بنفوذ في أوساط الإعلام والشرطة والقضاء، نفى هذه التهمة. ولم يستبعد أن يكون أردوغان نفسُه هو من دبّر المحاولة الانقلابية.

تصريح أثارَ غضبَ النائب في البرلمان التركي وعضو حزب العدالة والتنمية الحاكم إيغمن باغيس، الذي اعتبَر في حديث إلى «الجمهورية» اتّهام أردوغان بالوقوف وراء الانقلاب ليس «فقط سخيفاً، ولكنّه إهانة لعقول أصحاب المنطق».

ويذكّر الوزير التركي السابق لشؤون الاتّحاد الأوروبي أنّ «أردوغان هو رئيس منتخب بدعمِ غالبية كبيرة من الشعب التركي، في حين أنّ غولن وأنصارَه المغسولي الدماغ يسعون للحصول على الحكومة من خلال وسائل غير ديموقراطية منذ العام 2013 ».

ويقول: «إنّ معظم العناصر الذين تورّطوا بالانقلاب هم على صلة بطريقة أو بأخرى معه. حتى إنّ كلّ قادة الأحزاب المعارضة في البرلمان اتّحدَت مع حزب العدالة والتنمية لمواجهة مخاطر منظّمة غولن الإرهابية».

ويتّفق الدكتور المتخصّص في الشؤون الدولية في جامعة «حجة تبة» في أنقرة سنسر إمير مع باغيس في رأيه، بأنّه يستحيل أن يكون الانقلاب بتدبير من أردوغان.

ويشير إمير إلى أنّه حسب بيان مجلس الأمن القومي التركي أنّ أنصار منظمة غولن الإرهابية متجذّرون في جهاز القضاء والقوات المسلّحة والإدارات الحكومية.

ويوضح إمير لـ«الجمهورية» أنّ الانقلاب كان فاشلاً، ومَن قام به أشبه بالهواة، بدليل لم يكن منظّماً بالمقارنة مع انقلابَي أيار 1960 وأيلول 1980، حتى إنّ توقيته في الليل وليس في ساعات الصباح الأولى والقيام به على عجَل وعدم وجود خطّة لدى المجموعة التي قامت بالانقلاب لوقف الاتصالات.

إلى جانب ذلك، تمَّ الاعتماد على القوات الجوّية من دون أن يؤازرها عدد كافٍ مِن القوات البرّية، وقد ظهر بشكل واضح أنّ الغالبية في الجيش التركي لم توفّر الغطاء لهذه المجموعة، وتعاوُن الجيش مع الحكومة المنتخَبة أدّى إلى إفشال الانقلاب، وساعدَ أردوغان في تخطّي الأمر.

ويستغرب الدكتور إمير الذي كان يُفترض ومجموعة من القيادات في حزب العدالة والتنمية أن يلتقي صباح الجمعة الذي حدثَ فيه الانقلاب، مبعوثَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أتى إلى أنقرة لترتيب الزيارة المرتقبة بين بوتين وأردوغان في آب المقبل، والعملِ على تطوير العلاقات بين روسيا وتركيا والسعي إلى إعادتها الى سابق عهدها، يستغرب كيف أنّ المبعوث الروسي غادرَ ولم يأتِ إلى الاجتماع الذي كان مُقرّراً مسبقاً في فندق ريكسوس.

ويقول الدكتور إمير: «إنّها مفارقة أن يذهب المبعوث الروسي بعد لقائه نائب وزير الخارجية التركية مساء الخميس ويَعتذر عن لقاء الجمعة الذي حدثَ فيه الانقلاب. أظنّ أنّه تلقّى معلومات بضرورة المغادرة».

ولا يستبعد إمير أن يكون الأميركيون متضرّرين من سعي تركيا إلى أن تكون شريكاً استراتيجياً مع روسيا وبقائها في حلف شمال الأطلسي، مُشدّداً على أنّ المطلوب من بلاده أن تحافظ على التوازن في سياستها الخارجية وأن تؤمّن هذا التوازن.

ويقول: «إحتمالٌ كبير أن يكون الانقلاب رسالة من الأميركيين، ليحذّروا الأتراك، لضرورة تقليص التعاون مع الروس، سيّما بعد أن تمَّ تأجيل طلب الأطلسي مسألة نشر أسطول بحري في البحر الأسود إلى تشرين الأوّل المقبل».

ويسلّط الدكتور إمير الضوء على الأخطاء التي ارتكِبت منذ ليلة الانقلاب ودعوة الناس إلى الشارع عبر المساجد، لأنّ ذلك من شأنه وضعُ المجتمع المدني في مواجهة المسلّحين، وزيادة الاستقطاب في المجتمع»، داعياً إلى محاكمات وفق القانون.

ويَختم الدكتور إمير حديثه قائلاً: «إنّه من غير الأخلاقي والإنساني اعتقال الجنود شِبه عراة ووضعُهم فوق بعضهم البعض، وعدم مراعاة الكرامة الإنسانية لهم، يمكننا محاكمتُهم عبر القضاء وتجنّب خلقِ استفزازات، وعدمُ فِعل ما ارتكبَه الرئيس المخلوع محمد مرسي بجعلِ الناس في مواجهة بعضهم البعض».