لا شيء يكبح الاعتقاد لدى عامة اللبنانيين بأن المصير السياسي للبلد مرتبط بالمصير السوري… ولا شيء يطمئن اللبنانيين الى ان مسار الأزمة السورية شارف على بداية الحل، رغم دعوة الأسد الى موسكو، وتواصل الرئيس الروسي بوتين مع زعماء الدول الداعمة للمحور الآخر، لتكريس دوره كراعٍ للحلول ولتطمين القلقين.
بل ان القراءات السياسية، لفريق ١٤ آذار، ترى ان لبنان مقبل على المزيد من الضغوط، من قبل الطرف، أو الأطراف، الخاسرة في اللعبة السورية، فالتنفيس هناك يمكن ان يولد الاحتقان هنا، حيث الساحة مفتوحة على الرياح، لا رئيس جمهورية قائماً، ولا حكومة فاعلة ولا مجلس نواب قادراً على التفاعل مع مقتضيات الحال، وقديماً قيل: الرزق السايب يعلّم الناس الحرام…
وفي تقدير نائب من ١٤ آذار، ان الرئيس الروسي بوتين يسعى ليلعب في سوريا دور الرئيس الأسد الأب في لبنان، يُشعل الحريق ثم يتقدم لاخماده، لقد حمى بوتين النظام السوري دبلوماسياً وتسليحياً، وبالفيتو في مجلس الأمن، عندما استخدم الكيماوي ضد المعارضة، ثم تركه يجرّب عضلات الأصدقاء والحلفاء في الدفاع عن حياضه في الميدان، ولما بدا له ان هؤلاء ليسوا قدّ المقام، تدخّل من خلال الجو، معلناً الأمر لي.
القاعدة العامة تقول ان من يشعل المصباح يطفئه… وربما من المبالغة القول ان الروس هم من أشعل الحريق في سوريا، ليصلوا الى هذه النتيجة. ربما كان لهم ضلع في حماية استبداد النظام الذي أفضى الى ما هو عليه الحال في سوريا اليوم، والأصح انهم استفادوا من المكابرة والتعنّت، ليبنوا موقفاً يمكن صرفه في واقع آخر…
والراهن ان الحيّز الذي يخصّ النظام في سوريا، بات بيد الروس القابضين على الزمام جواً وبحراً، وعلى حساب الحلفاء والخصوم. وهذا ما بدأت سلبياته تتراكم في لبنان، من خلال تعقيد الحلول الممكنة للاستحقاق الرئاسي، لغاية استثماره على طاولة التسويات المرتقب طرحها في الخانة السورية، ويقول الدكتور سمير جعجع في هذا المجال ان طهران أبلغت مراجع دولية، ولأول مرة، موافقتها على انتخاب أي رئيس للبنان، شرط قبول الدول العربية ببقاء الأسد في سوريا….
ذلك يعني ان وجود الاسد في سوريا ضمان لوجود ايران في لبنان ايضا.
لكنه يعني بنظر الفريق اللبناني الآخر ان خروج الاسد من المشهد السوري، سيقابله اصرار ايراني على شبه أسد في قصر بعبدا!
وفي كلا الحالين يتعين الاحتفاظ بالاستحقاقات اللبنانية، في الثلاجة الاقليمية، العاملة على كهرباء شديدة التقنين.
ورغم محاولة كل من رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة مداواة الحاضر بالحاضر، بجلسة تشريعية من هنا، أو جلسة حكومية من هناك، بلا حول ولا طول.
لكن ثمة سقفاً للانحدار لا تسمح القوى الحاكمة للوضع بتخطيه، مهما كانت الظروف، فالاستقرار الأمني ممنوع مسّه، والاستقرار المالي والنقدي في حرز حريز، ولليرة بنك مركزي يحميها. أما في السياسة والاقتصاد، فالتهويل مسموح والاستقالة ممنوعة، حتى من قبيل التلويح، وما حدث من سجالات الاسبوع الماضي من خطاب وزير الداخلية نهاد المشنوق الى جواب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ما زال في البال.
يبقى أن ثمة ثغرة تشريعية، يمكن احداثها في جدار مجلس النواب المكبل بالمقاطعة والممانعة، الاسبوع المقبل، من اجل تمرير بعض القوانين المالية الملحة تحت عنوان تشريع الضرورة، وكل المعلومات تفيد بأن هذه الجلسة ستعقد الاربعاء او الخميس استجابة لشروط البنك الدولي، وستتناول مشاريع واقتراحات عدة، ارضاء لهذا الطرف المتحفظ او ذاك، لكن الاقرار سيكون لمشاريع القوانين المالية وحسب.