Site icon IMLebanon

رغبة بوتين بإنجاز اتفاق سياسي أبرز دوافع الانسحاب من سوريا

خواتيم حل الأزمة في سوريا تحتاج إلى تفاهم روسي ـــ سعودي… والبوادر في زيارة الملك سلمان لموسكو

رغبة بوتين بإنجاز اتفاق سياسي أبرز دوافع الانسحاب من سوريا

التدخّل الروسي لم يكن هدفه تعويم النظام بل إعادة التوازن إلى موقعه على طاولة التفاوض

إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الانسحاب العسكري من سوريا، خلق إرباكاً لدى الحلفاء والخصوم في آن، نظراً إلى المفاجأة التي شكّلها، إذ أتت الخطوة من دون أي تمهيد لها. وقبل أن تنجلي مفاعيل القرار الروسي وانعكاساته على الأزمة السورية، جاء إعلان مجموعة من أكراد سوريا، الموالين للنظام وحلفائه، عن حكم فيدرالي شمال البلاد بشكل أحادي ليزيد المشهد ضبابية.

قد يكون من المُبكر رسم صورة دقيقة حول الأسباب والأهداف التي حدت بموسكو إلى اتخاذ قرار انسحابها، لكن المتابعين للشأن الروسي يرون أن سلسلة من الاعتبارات آلت إلى هذه الخطوة. فالروس منذ انخراطهم  في الحرب السورية أعلنوا أن العملية العسكرية لها سقف زمني وأهداف محددة. السقف الزمني الذي حُكي عنه آنذاك كان أربعة إلى خمسة أشهر. من تلك الأهداف إعادة تعويم النظام بعدما كانت التطورات الميدانية والانتصارات التي حققتها المعارضة المعتدلة تنذر بإمكان انهيار منظومة الرئيس السوري بشار الأسد. وهو أمر قد تحقق، إذ استطاع النظام، بدعم جوي روسي ومشاركة برّية لإيران وأذرعها العسكرية من الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والأفغانية، تحقيق مكاسب عسكرية ميدانية على حساب المعارضة المعتدلة. ونجح في تعزيز الامتداد الحيوي لـ «سوريا المفيدة» ذات النفوذ العلوي، والتي يمكنها أن تتحوّل كياناً مستقلاً، إذا ذهبت سوريا على طريق التقسيم، أو تتحلى بحكم ذاتي في حال آلت التسوية إلى نظام اتحادي بدل نظام الدولة المركزية.

ولم يكن تعويم النظام هدفاً لروسيا بحد ذاته بقدر ما كان ضرورة  من أجل إعادة التوازن إلى موقع النظام لدى الجلوس إلى طاولة التفاوض مع المعارضة توصلاً إلى حل سياسي للأزمة يكون منطلقاً من «جنيف1» الذي هو أصلاً نتاج توافق أميركي – روسي، فالذهاب إلى المفاوضات هو الخطوة الدبلوماسية التالية بعد الخطوة العسكرية، إذ أن موسكو كانت تدرك أن عدم الدفع سريعاً باتجاه العملية السياسية بعد تحقيق المكاسب العسكرية من شأنه أن يُقوّض الإنجازات الميدانية، ذلك أن النظام غير قادر على الحفاظ على المكتسبات بقواه الذاتية وبقوة حلفائه الإيرانيين وأذرعهم من الميليشيات بعدما أخفقوا في المهمة سابقاً، من دون استمرار التواجد العسكري الروسي، وهو ما يحمل محاذير عدة كان الكرملين متيقظاً لها، نظراً إلى أن الانغماس العسكري الطويل المدى واللامحدود من شأنه أن يُغرقها في الوحول السورية، ويُعيدها إلى تجربتها المرّة  في أفغانستان.

بدا واضحاً أن بوتين استفاد في اندفاعته العسكرية من سياسة انكفاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، واتكأ على غض طرف الاتحاد الأوروبي الذي باتت أزمة اللاجئين تقضّ مضاجع قادته، فحقق عودة قوية لروسيا كدولة عظمى، بعد محاصرته وفرض عقوبات اقتصادية على بلاده بفعل الأزمة الأوكرانية، ونجح في حماية مصالح روسيا الاستراتيجية  على المتوسط، سواء العسكرية من خلال تأمين قواعدها، أو الاقتصادية من خلال تحكمها بأي اتفاقات مستقبلية في ما يتعلق بالنفط والغاز وإمداد خطوط الأنابيب عبر الأراضي السورية.

فالتدخل الروسي لم يأتِ لإنقاذ النظام من الانهيار إلا بما يخدم مصالح موسكو الاستراتيجية وليس حسابات الأسد الداخلية أو حسابات حليفته إيران وأذرعها العسكرية لتحقيق مشروعها الخاص الهادف إلى مدّ نفوذها إلى المنطقة، والذي لا يتطابق بالضرورة مع مصالح  روسيا، ولا سيما في ظل التحوّلات التي يشهدها الإقليم، وسياسة المواجهة المباشرة التي اتخذتها دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية، سواء بإنشاء التحالف العربي مع «عاصفة الحزم» أو بإنشاء التحالف الإسلامي الذي تجلّى ثقله بوضوح مع مناورات «رعد الشمال»، حيث يدرك الروس أن هذا التحالف لم يتشكّل ليبقى بعيداً عن تداعيات الأزمة السورية، التي شهدت قبل إعلان الهدنة، تجاوزاً للخطوط الحمر في ما خص الاستهداف الممنهج لقوى المعارضة في حلب وصولاً إلى قطع أي تواصل لها مع الحدود التركية.

وسواء أقرّت موسكو أو لم تفعل، فإن ثمة تطوراً لافتاً سُجّل مؤخراً تمثل بإسقاط طائرة حربية سورية فوق حماه، بقيت الشكوك الروسية أنه تم بصاروخ أرض – جو، فيما عزته المعارضة المسلحة إلى المضادات الأرضية، لكنه تطوّر شكّل مؤشراً سلبياً بالنسبة للكرملين، ورسالة لا بد من أخذها في الحسبان ما دام احتمال وصول أسلحة مضادة للطائرات أضحى ممكناً، وما دام القلق من الغرَق في «أفغانستان2» لا يُفارق القيادة الروسية.

ولعل الاعتبار الداخلي يحتّل مرتبة متقدمة في حسابات بوتين الذي يُدرك أن  شعبه الغارق في الأزمة الاقتصادية الخانقة يحتاج إلى جرعة دعم معنوية، بما يحمله له من صورة الانتصارات العسكرية وأمجاد  «الدولة العظمى».

غير أن أبرز العوامل والاعتبارات تكمن، في رأي المراقبين، في رغبة قوية لدى الرئيس الروسي بالتوصل إلى إنجاز اتفاق سياسي في سوريا، قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، ذلك أن الفرصة التي قد تكون مؤاتية بوجود أوباما  للتوصل إلى اتفاق حيال الأزمة السورية، والمراكمة عليه لتحقيق تفاهمات ومكاسب حول ملفات في المدار الروسي، قد لا تبقى سانحة مع الإدارة الجديدة، خصوصاً إذا ما آل الحكم إلى الجمهوريين.

تلك الفرصة، إذا ما كانت متوفرة في عهد أوباما، فإنها وفق مراقبين، تبقى رهن مدى تقدّم العلاقات الروسية – السعودية وتبلوّر المناخات والظروف بينهما، ذلك أن خواتيم حل الأزمة في سوريا تحتاج إلى تفاهم روسي – سعودي، ولعل بوادره ستظهر يوم يزور العاهل السعودي موسكو!