Site icon IMLebanon

إخماد «نيران» المعركة التربوية على خط بكركي ودار الفتوى

 

تحوّلَ أمس كلٌّ من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومفتي الجمهورية اللبنانية عبداللطيف دريان إلى رَجُلي إطفاء، بعدما كادت ألسِنة نيران المعركة التربوية تلتهم قطاع التعليم الخاص، مُطيحةً بالمدارس الخاصة كأحجار الداما. لذا شهد الصرح البطريركي قبل الظهر لقاءً تشاورياً استثنائياً بين الراعي ورؤساء الرهبانيات وممثلين عن الكتل النيابية، كذلك عُقِد اجتماع في دار الفتوى ترأسَه دريان لمواكبة تداعيات الأزمة المالية في المقاصد وقرار إغلاق مدرسة خديجة الكبرى.

ماراثون تربوي طويل شهدَه لبنان أمس، توزّعت مشاهده بين بكركي ودار الفتوى، حيث توالت الاجتماعات الاستثنائية واللقاءات التي كانت أشبَه ببنجِِ موضعيّ لتخدير وجعِ الأهالي والمعلمين وإدارات المدارس، من دون التمكّنِ من اقتلاع الألم من جذوره، ومن دون التمكّن من فرملةِ تداعيات إقرار القانون 46.

كواليس لقاء بكركي
قرابة التاسعة صباحاً، وكعادته، بدا الصرح البطريركي هادئاً، وحدهم الرئيسات العامات والإقليميات والرؤساء العامون والإقليميون تقصّدوا الوصولَ باكراً ، للتباحثِ فيما بينهم ولتبادلِ الأفكار حول تقصير الدولة تجاه معظمِ المؤسسات التي يُشرفون عليها، من تربوية واستشفائية… لم تكد تمضي ربعُ ساعة حتى بدأ ممثّلو الكتل النيابية ونوّاب كسروان بالوصول وسط تدابير أمنية. لينطلقَ اللقاء التشاوري قرابة التاسعة والنصف صباحاً برئاسة البطريرك الراعي وفي حضور المطرانين حنا رحمه وسيزار اسيان. والنواب ممثلو الكتل النيابية: ابراهيم كنعان ممثلاً كتلة لبنان القوي، انطوان حبشي ممثلاً تكتل «الجمهورية القوية»، هادي حبيش ممثلاً كتلة «المستقبل»، النائب فريد هيكل الخازن ممثلاً «التكتل الوطني»، الياس حنكش ممثلاً كتلة الكتائب، ألبير منصور ممثلاً كتلة الحزب «القومي»، نقولا نحّاس ممثلاً كتلة «الوسط المستقل»، وفيصل الصايغ ممثلاً «اللقاء الديموقراطي»، إضافةً إلى نوّاب منطقة كسروان: نعمة افرام، شامل روكز، شوقي الدكاش، وكان قد اعتذرَ عن الحضور النائب ابراهيم عازار ممثّل كتلة التنمية والتحرير والنائب روجيه عازار لارتباطٍ رسميّ سابق.

بدايةً، رفعَ الراعي الصلاة الافتتاحية، ثمّ ألقى رئيس الرهبنة اللبنانية المارونية الأباتي نعمة الله الهاشم كلمةً رحّب فيها بالحاضرين معتبراً أنّ «هذا اللقاء تشاوريّ ويعني كلَّ المكوّنات اللبنانية، لأنّ للتعليم الخاص دوراً في تأسيس لبنان وفي الحفاظ على التنوّع والحرّية». وأكّد أنّ الحاضرين معنيّون بحماية حقوق كلّ مكوّنات «الأسرة التربويّة».

وبعد مداخلات النوّاب واقتراحاتِهم والاستماع إلى عرضٍ عن ظروف المدارس الخاصة والمشاكل التي تعاني منها نتيجة إقرار القانون 46 وتداعياته، تمّ عرضُ الوضع الراهن للمؤسسات الاستشفائية والاجتماعية وللمستحقّات المتوجّب تسديدها لها من قبَل الدولة اللبنانية لتكمِلَ رسالتها في خدمة المواطنين.

في المحصّلة وبعد نحو ساعتين من النقاش، تمّ الاتفاق على «تشكيل لجنة تمثّل جميعَ الكتل النيابية في البرلمان ومندوبين عن اتّحاد المدارس الخاصة للعمل على إيجاد حلول عادلة في أسرع وقتٍ ممكن لإنصاف مكوّنات الأسرة التربوية ولإنقاذ العام الدراسي المقبل 2018-2019». فيما دعا الراعي الجميعَ إلى تحمّلِ مسؤولياتهم، مؤكّداً «أنّ الدولة مسؤولة ولا يُمكنها التنصّل من تلك المسؤولية بحجّة العجز، كما عليها ألّا تعتبر أنّ هذه المؤسّسات التربوية والاستشفائية منافِسة لها، وإنما على العكس، فهي شريكة لها في خدمة المواطن».

تعديل في القانون 46!
في هذا الإطار، أعرَب مصدر مواكب للّقاء عن تفاؤله لـ«الجمهورية»، قائلاً: «مِن بين الأفكار التي طرِحت مسألة تقسيط الدرجات، إلّا أنّها لم تلقَ الترحيب الكافي. واستُعرضت أكثر من خطة بعيدة المدى، وأخرى قريبة المدى، مِن بين الأفكار طرحُ النائب إبراهيم كنعان عن القانون رقم 9298 الصادر عام 1974، والذي يقضي بوضع مشروع يرمي إلى تحديد مساهمة الدولة في تخفيف أعباء عن كاهل ذوي التلامذة في المدارس الخاصة، وتمّ التركيز على أنّ التعليم العام الرسمي يُكلّف الدولة أكثر مِن كلفةِ التلميذ في التعليم الخاص، فهي تُسدّد عنه نحو 8 آلاف دولار سنوياً، بينما في الخاص 5 آلاف دولار». وتابع: «يبقى الأساس في ما سينتج عن اللجنة التي هي في صددِ التشكّلِ بعد أن تحدّد الكتل النيابية ممثليها، وأولى مهامّ هذه اللجنة دراسةُ الحلول والمخارج القانونية للأزمة التربوية الراهنة». ولفتَ المصدر إلى «أنّ معظم النواب وإنْ اختلفوا في طروحاتهم حول الحلول الممكنة، فقد أجمعوا على الإشادة في مستوى المدارس الخاصة، حيث تعلّموا على مقاعدها». ولا يُنكر المصدر أنّ مِن بين الطروحات «إمكانية البحثِ في تعديل القانون 46».

دار الفتوى
فيما كان اللقاء التشاوري حول المدارس الكاثوليكية منعقداً، كانت قلوب معلّمي وأهالي وتلامذة ثانوية خديجة الكبرى في فردان تغلي منذ الصباح الباكر، بعدما تلقّوا كتابَ صرفٍ وصَلهم من رئاسة جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية إلحاقاً لقرار الجمعية بإقفال المدرسة.

فسُرعان ما تداعوا إلى التظاهر أمام المدرسة لمعرفة ماذا حدث بين ليلةٍ وضحاها، خصوصاً أنّ بعض الأهالي كانوا قد سجّلوا أولادهم قبل أقلّ مِن 48 ساعة. لذا سارت الشائعات كالنار في الهشيم، كالحديث عن بيع العقار، أو تركيب صفقة معيّنة، وغيرِها من التكهّنات.

«يا مفتينا بالطريق رميونا»
«يا مفتينا شوف شو عملوا فينا!»، يا مفتينا بالطريق رميونا»، «وين بَدنا نروح بولادنا؟»، «مين بعَلمُن؟» وغيرها من الهتافات بلكنةٍ بيروتية، صَدحت بها حناجر المتظاهرين الذين انضمّ إليهم نقيبُ المعلمين رودولف عبود، فيما التلاميذ لم يجدوا سوى الدموع تعبيراً عن غضبهم، وسرعان ما قرّروا نقلَ وجعِهم شِيباً وشباباً إلى عائشة بكّار حيث دار الفتوى.

وقرابة العاشرة والربع صباحاً، كان المفتي دريان في استقبالهم محاولاً امتصاصَ نقمتهم، باحثاً عن بصيص أملٍ يُثلج صدورهم، كذلك شارَك في اللقاء وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال مروان حماده والنائبان فؤاد مخزومي ونزيه نجم ورئيسُ جمعية المقاصد الدكتور فيصل سنو ونقيب المعلّمين في المدارس الخاصة في لبنان رودولف عبود.

وطمأنَ دريان المعلمين والأهالي والطلّاب إلى أنّ «المقاصد ستبقى قلعةً صامدة في وجه العواصف التي تضربها على الصعيد المالي»، مؤكّداً أنّ «المقاصد ستستمرّ في أداء رسالتها التربوية»، متمنّياً على رئيس جمعية المقاصد الدكتور فيصل سنّو «إعادة النظر في موضوع إغلاق ثانوية خديجة الكبرى، بالإضافة الى إنصاف المعلمين ومعالجةِ هذا الموضوع برويّة وحكمة مشهودةٍ له ولمجلس أمناء المقاصد».

في هذا الإطار، أعرَب مصدر مواكب للملف عن استغرابه، قائلاً لـ»الجمهورية»: «نستغرب قرار الإقفال، بشكلٍ فجائي وفي توقيت غيرِ مناسب، بعدما تسَجّلَ الطلاب. وما يزيد الطين بلّة أنّ المقاصد لم تُسدّد منذ سنوات متوجّباتها لصندوق التعويضات، والسؤال الأبرز: هل ستُسدّد ما يتوجّب عليها للصندوق في ما لو أتاها دعمٌ ماليّ؟ وأبعد من ذلك، فأيّ منحة أو جرعة دعم مالي قد تصلها يجب أن تطال بالتساوي كلَّ المدارس الخاصة المجانية».

إلى حلحلة؟
وبعد اللقاء، ألقى حماده كلمةً حاول خلالها تطمينَ المعلمين والأهالي والتلاميذ، مشيراً إلى «أنّ اجتماع مجلس أمناء جمعية المقاصد بعد الظهر قد يحمل قرارَ إعادةِ فتحِ المدرسة، بعدما تعهَّد سنو بأن يبذلَ أقصى جهده ونفوذه في المجلس». ولفت حماده إلى أنّ «المقاصد لا تتلقّى حقوقها المالية من الدولة، تربية وصحة، في الوقت المناسب، وخفّت المداخيلُ التي كانت ترِد من الطيّبين ومن كلّ المانحين، فوقعت الأزمة». وأضاف: «يا ليت خلال عام قبلَت الحكومة أن تخصّص اجتماعاً استثنائياً للتربية مثلما كنت أطلب، لكن كان عندهم للأسف أولويات أخرى».

وعصراً فيما كان المعلمون على أعصابهم والأهالي ينتظرون محصّلة تحرّكاتهم، تلقّى المفتي دريان اتّصالاً من الرئيس المكلف سعد الحريري أبلغَه فيه أنه «أعطى توجيهاته إلى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل، من أجل دفعِ مستحقّات جمعية المقاصد لدى وزارة المال». وأبلغه أيضاً أنه «سيتمّ دفع خمسةِ مليارات ليرة لبنانية بصورة مستعجلة لتخفيفِ المعاناة التي تعيشها المقاصد في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها»، مؤكّداً «أنه «يتابع موضوع جمعية المقاصد لحظةً بلحظة، وأنه يقف دائماً إلى جانبها».

المتعاقدون يتحرّكون اليوم
إلى ذلك، ينفّذ متعاقدو الثانوي ولجان المتعاقدين في الأساسي تحرّكاً أمام وزارة التربية عند الثانية عشرة من ظهر اليوم، «رفضاً لإهمال السلطة وتجاهلِها حقوقَهم».