الفجر الدامي في القاع ليس صاعقة في سماء صافية. لا لجهة الجغرافيا، حيث الحدود مع سوريا واللاحدود أمام حربها. ولا في حساب التاريخ، حيث يصل الارهاب الى اعلى مراحله ويزداد وحشية، ويتدفق الارهابيون على سوريا من مئة بلد بمقدار ما يكثر عدد الدول والقوى التي تعلن الحرب على الارهاب وتعطي الاولوية للقضاء على داعش وجبهة النصرة. ولا نظرا الى التهديدات الارهابية للبنان، وسط الكشف اليومي الذي تقوم به الاجهزة الامنية لخلايا داعشية نائمة. فضلا عما سبق من تفجيرات انتحارية في الضاحية الجنوبية وعمليات ارهابية في عرسال وجرودها كما في جرود رأس بعلبك.
ذلك ان الخطر الذي كان ولا يزال يتجمع في مشاريع القاع بقي من دون معالجة سياسية أو امنية على الرغم من صراخ اهالي القاع والتحذير من اندساس خلايا داعشية نائمة بين النازحين. والصراع الجيوسياسي بين المحاور الاقليمية والدولية المتمثل في حروب سوريا والعراق واليمن، والذي اتخذ طابعا مذهبيا، مرشح لأن يقود لبنان والمنطقة الى اعمق قاع في محيط القتل والتخلف والارتداد الى ما تبدو الجاهلية حضارية بالنسبة اليه. ولا كل مرة تسلم الجرة في الرهان على القوى الامنية وحدها من دون مؤسسات سياسية، لا مجرد غطاء سياسي كما يقال، للحفاظ على حد معقول ومقبول من الاستقرار الامني.
وليس واضحا، حتى الآن، ان كانت القاع هي الهدف الذي جاء الانتحاريون الاربعة لضربه ام الطريق الى هدف في البقاع أو بيروت. لكن الواضح ان شجاعة أهل القاع هي التي أربكت الارهابيين واجبرتهم على تفجير انفسهم، وان كانت التضحية كبيرة بحيث افتدت البلدة بدماء خمسة شهداء وخمسة عشر جريحا لبنان من مجزرة اكبر في منطقة اخرى. والواضح ايضا ان الفجر الدامي في القاع ليس نهاية ليل لبناني طويل، وان الاحاديث عن مواعيد لتسوية هي مجرد كلام على فجر وطني وسياسي كاذب.
والمشكلة اننا صدقنا ان حاجة المنطقة الى خدمات من لبنان تكفي لحمايته من الفتنة والارهاب وزعزعة الاستقرار. لا بل تصورنا ان معادلة الامن من دون سياسة ولا اقتصاد يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية. والمشكلة الاخيرة انه لا شيء يوحي بعد مجزرة القاع اننا سنسارع الى انتخاب رئيس للجمهورية يضمن الانتظام العام في عمل السلطة، ومن ضمنه الامان السياسي مع الأمن. فما يتعرض للتهديد هو امن الوطن، لا فقط أمن المواطن. وما تدار به السياسة هو اللاسياسة والتسليم بأن حكومة المحاصصة والصفقات والتي يصفها رئيسها بأنها عاجزة وفاشلة وسيئة هي القضاء والقدر.