لم يعد «حزب الله» بحاجة الى قراءة نتائج صناديق الاقتراع في محافظتي البقاع والهرمل التي اظهرت معارضة ما يقارب نصف اعداد المقترعين له، كي يكتشف ثمن مغامراته العسكرية في سوريا، الكبيرة والباهظة. ولم يعد ايضاً يحتاج الى تذكيره بخسارة مندوبه مصطفى حسين رئاسة اتحاد بلديات الهرمل، كي يلاحظ المأزق الشعبي الذي بدأ بمحاصرته. ولن يحتاج كذلك الى متابعة كل الحملات الاعلامية والسياسية المناهضة لنهجه على كل الاصعدة، كي يدرك مدى تضخّم كرة ثلج اخصامه في وجهه. لا داعي لكل هذا العناء. ها هو اكثر حلفاء الحزب الاستراتيجيين والتاريخيين يكشف عن «البير وغطاه».
خرج البعثي العتيق الوزير السابق عاصم قانصوه عن صمته، وعلى بعد اسبوع من نتائج انتخابات بلديات قضائَي بعلبك والهرمل. «كوّع» سهامه باتجاه «حزب الله» الذي على ما يبدو ان خطواته الناقصة تتوالى تباعاً، متهماً اياه مع «حركة امل» في المساهمة بهبوط مستوى الانتخابات في القضاء.
الزعيم البعثي الحاضر دائماً في الصف الامامي، عند كل خطاب للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، مصفقاً ومستشرساً في الدفاع عن نهجه، والمحلل المناسب جداً والضيف الدائم على شاشة «المنار»، وأوفى الحلفاء البقاعيين واكثرهم التصاقاً بالحزب من بين قيادات الأحزاب المنفصلة عن كيانه والداعمة لمحور «الممانعة»، اعتبر أن «ما حصل بعد المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان، ليس انتصاراً، واصفاً تصرفات الحزب بالمتعالية، مما فرض على الاحزاب المتحالفة معه، الوقوف ضده من دون الاعلان عن ذلك، وسأل «ماذا ربح الحزب من استبعاده للأحزاب الأخرى باسم الشيعة؟»
قانصوه لم يكتفِ بانتقاد الحزب على استئثاره بالقرارات والاستعلاء، وصولاً الى السعي لإلغاء حلفائه، بل وصف ما حصل في انتخابات البقاع بأنه «غباء»، متوجهاً الى نصرالله بالقول «أما أن يصل الأمر الى السيد حسن نصر الله، فيجب أن يحسب غير ذلك، اذ إن حلفاءه لن يتركوه بسبب رابط الشهادة منذ عام 2000»، مشدداً على ان «الانتخابات الآن، كشفت سياسة التعالي والنظرة الفوقية للوضع في لبنان». وطالب بـ «إعادة النظر في سياسة الحزب بعطاءاته للأحزاب من خلال محمود قماطي»، قائلا: «كلهم يقبضون من «حزب الله»، أما «البعث» فقد مرت سنة ولم يقبض بسبب عدم وجود قيادة». واكد كذلك انه «حتى لو حصل انتخاب للقيادة فإنني لست متحمساً لأن نقبض من الحزب».
ولم يتردّد قانصوه في نصح نصرالله بالقول له «على قدّ بساطك مدّ اجريك»، مذكراً اياه بتاريخ حزب «البعث» ومنتقداً التوجه الاسلامي المتشدّد له قائلاً: «المقاومة خط «البعث» منذ ما قبل وجود «حزب الله»، وهذا الخط الإسلامي لست متحمساً كثيراً له».
إلا أن هذه التصاريح لم تكن الاولى من نوعها، فقد استبق قانصوه يوم الانتخابات باعلان رفضه لترشيحات «حزب الله» بالقول: «لن نعترف بأي ترشيحات للانتخابات البلدية والاختيارية إن لم يكن موافقاً عليها من القيادة القطرية اللبنانية«.
لا تقتصر علاقة قانصوه بالحزب على القضايا اللبنانية الداخلية، بل تتعداها الى ابعد من ذلك. فالمفروض أن «حزب الله» لم يترك وسيلة إلا واستخدمها دفاعاً عن رئيس النظام السوري بشار الاسد، الذي يكن قانصوه له الولاء الأعمى، والذي يرتبط به ارتباطاً وثيقاً يظهر بانعدام دور قانصوه السياسي الداخلي منذ انتهاء سلطة الوصاية السورية على لبنان، لدرجة أن الاسد لم يتردد باصدار قرار اقصاء «الامين القطري لحزب البعث» السابق فايز شكر بعد خلافات بينه وبين قانصوه.
اذاً، فكت الانتخابات البلدية العقد التاريخي بين الحليفين اللبنانيين بتوجهاتهما الاقليمية الواحدة. أما نار البعث الكامنة تحت الرماد والتي هبت فجأة، فهي ليست بجديدة على الحزب. فقانصوه ردّد اليوم ما لم ينفك اللبنانيون عن قوله طيلة اعوام من استئثار الحزب بقرار الدولة والقبض على كل مفاصلها واخذها رهينة قراراته والغاء دورها خدمة لوجوده واستراتيجياته ومخططاته، واذا كان حليف كهذا سينتقد الحزب بهذه الطريقة على اثر تحالفاته الانتخابية وتصرفاته مع اكثر الاوفياء لنهجه وسياساته، فما باله من باقي اللبنانيين؟.