باكراً جداً، توجّه أمس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون في محاولة للبحث في أي “توليفة” من شأنها أنّ تخفف من حدّة تعقيدات الأزمة الداخلية، بعدما خرج ميقاتي من لقائه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري خالي الوفاض حين عرض عليه إعادة إحياء جلسات مجلس الوزراء تحت عنوان تسيير أمور الناس ومناقشة قضايا اجتماعية واقتصادية ملحّة.
وعلى الرغم من خيبة الأمل التي أصيب بها رئيس الحكومة بعدما اعتقد أنّه نجح في هندسة تسوية قضائية – سياسية من شأنها أن تحرر حكومته، فقد اصابته الهيئة العامة لمحكمة التمييز بالاحباط من جديد… إلّا أنّ الرجل لم ييأس من المحاولة. إلى الآن هو مقتنع أنّ شركاءه الحكوميين، وتحديداً “حزب الله” يتجنّب وقوع الفوضى واتساع بقعة التدهور الاقتصادي- الاجتماعي، ويفضّل عدم ترك الأمور تذهب باتجاه المزيد من الانتكاسات. ولذا لا بدّ من مخرج ما يهدّئ من روع البركان الاجتماعي، من خلال العودة إلى طاولة مجلس الوزراء لتمرير الوقت، الذي صار جليّاً أنّ عقاربه يسيّرها مخاض التغيير الانقلابي الحاصل في الاقليم.
قبيل مغادرته بيروت للقاء الحبر الأعظم في الفاتيكان، كان ميقاتي مقتنعاً أنّه سيعود إلى السراي لترؤس جلسة حكومية، سيكون أول بنودها استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، بعدما تكون الهيئة العامة لمحكمة التمييز قد حاكت قراراً من شأنه أن يفصل ملاحقة الرؤساء والوزراء عن بقية الملاحقات ويُخرجها من بين يدي المحقق العدلي طارق البيطار، فتستعيد حكومته عافيتها بعدما أحيلت إلى الشيخوخة المبكرة في وقت قياسي. لكنّ حساباته، لم تتوافق مع تعقيدات ملف انفجار المرفأ الذي صار أكبر من محقق عدلي وقضاة وقضية.
عاد رئيس الحكومة إلى بيروت ليحاول من جديد البحث عن “إبرة التخريجة” بين كومة الخلافات والتباينات، ليعترف من أمام قصر بعبدا أنّ “الحكومة ماشية لكن مجلس الوزراء لا يجتمع”. ما يعني أنّه ليس في وارد تقديم استقالته استسلاماً للواقع المأزوم ولانسداد الأفق، وفي المقابل ليس في وارد الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء طالما أنّ الثنائي الشيعي معتصم بالمقاطعة ربطاً بإصرار القاضي البيطار على ملاحقة الرؤساء والوزراء.
ولكن هذا لا يمنعه من الدفع من جديد باتجاه اختراق الحصار الخليجي بمسعى فرنسي، من خلال تقديم استقالة قرداحي عشية وصول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى السعودية. لا يتردد رئيس الحكومة في إبلاغ شركائه أنّ الفرنسيين هم أصحاب هذه المبادرة ويتمنون عليه تأمين الاستقالة علّها تكون نافذة ولو ضيّقة لإقناع السعوديين بالتخفيف من حدّة ضغطهم على لبنان. يريد مقياتي من وزير الاعلام أن يكون مستقيلاً قبيل جلوس ماكرون في الديوان الملكي السعودي، ومن دون اضطراره لدعوة مجلس الوزراء، على قاعدة فصل الملفات الخلافية ومحاولة معالجتها بالمفرق بعدما تعطّلت المحاولة بالجملة.
على هذا الأساس، كان اللقاء الثاني بين ميقاتي وقرداحي، وعاد رئيس الحكومة ليطلب من وزير الاعلام الخروج طوعاً من “العقد الحكومي”، لكن قرداحي كرر ما سبق وأبلغه إلى ميقاتي في لقائهما الأول، لجهة أنّ المسؤولين السعوديين أعلنوا بشكل رسمي أنّ أزمتهم مع لبنان تتخطى كلام وزير الاعلام لتصل إلى “حزب الله” ونفوذه، وأكد من جديد أنّه مستعد للاستقالة اذا كانت هناك ضمانات جدية من الرياض بالعودة عن اجراءاتها، وإلا فإنّه يرفض أن يكون “كبش محرقة” مجانيّاً، خصوصاً وأنّه مقتنع بأنّه لم يتركب أي خطأ يجب أن يدفع ثمنه، ولو أنّه لم يمانع في عرض الاستقالة على مجلس الوزراء.
لا بل أكثر من ذلك، يرى قرداحي أنّ ما أدلى به رئيس الجمهورية حول تعرّضه للاهانة من جانب صحافي سعودي من دون أن يتخذ أي اجراء بحقه، هو بمثابة موقف دفاعي عنه ولمصلحته، مع العلم أنّ الرئيس عون كان من أكثر المتحمسين لاستقالته.
بالنتيجة، رفض وزير الاعلام أن يطرح استقالته في الهواء من دون أي توظيف سياسي مضمون. أقلّه إلى الآن. في المقابل، إقالته غير مطروحة، والدعوة لجلسة لمجلس الوزراء غير واردة أصلاً… ومع ذلك، يرى المطلعون على موقف ميقاتي أنّ فرصة الاستفادة من زيارة الرئيس الفرنسي إلى السعودية، والتي استبقها باتصال هاتفي مطوّل (ساعة ونصف الساعة) مع الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، لم تضِع بعد.