لم يكن ينقص المنطقة، المضطربة أصلاً، عملية بحجم اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، حتى تزداد حبال الاستقرار اهتزازاً، منذرة بمرحلة جديدة من أعمال العنف والحروب المدمرة، في ذروة الصراعات الإقليمية – الدولية التي تُشعل أوضاع الإقليم.
ردود الفعل والتصريحات الإيرانية وقادة محور الممانعة، والتحليلات الإعلامية الأميركية والأوروبية، ركزت كلها على ترجيح جنوح المنطقة إلى جولات من المواجهات العنيفة والدموية، يمتد مسرحها على امتداد انتشار القواعد الأميركية في العالم، وخاصة في العراق وأفغانستان.
وبغض النظر عن مدى صحة مثل تلك التوقعات، لا بد من التأكيد بأن قيام الطيران الأميركي بعملية قصف موكب سليماني بشكل مباشر، وهذه العلنية السريعة من قبل دوائر القرار الأميركي، وصولاً إلى ترامب شخصياً، يعني أن مرحلة الحرب بالواسطة بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين قد إنتهت، لتأخذ الحروب المباشرة مكانها الواضح والحاسم في هذا الصراع الذي تحملت العديد من الدول العربية مضاعفاته، على حساب استقرارها واقتصادياتها المنهكة، فضلا عن الشروخ التي ضربت بعض المجتمعات العربية، نتيجة التدخلات الإيرانية المعروفة.
من المبكر الحديث عن التصعيد العسكري المرتقب بين الحلف الغربي والمحور الإيراني، والمدى الذي يمكن أن يبلغه، والفترة الزمنية التي يستغرقها، والنتائج المدمرة التي قد يُسفر عنها، والتي تتعلق جميعها بمسار التطورات الأمنية والعسكرية، وما قد يواكبها من جهود ديبلوماسية لعدم الوصول إلى نقطة اللاعودة بين الغرب وإيران، وما يترتب عليها من تداعيات تهدد الأمن والسلم العالميين.
ولكن من الواضح حتى الآن أن الرد الإيراني قد يمر بأقل ردة فعل أميركية ممكنة، في حال بقي ضمن حدود معينة، وفق ما أبلغه الأميركيون إلى طهران عبر القنوات الديبلوماسية، وبقيت نتائجه في الخسائر البشرية محدودة.
أما في حال توسَّع الرد الإيراني ليطال السفن الحربية الأميركية مثلاً، المتواجدة في منطقة الخليج، أو تنفيذ عمليات مشابهة توقع أعداداً كبيرة في صفوف الأميركيين، فإن الأحداث الدراماتيكية المتسارعة قد تخرج عن السيطرة، وتؤدي إلى إشتعال حرب ضروس تهدد بامتداد نيرانها إلى أبعد من فضاء الشرق الأوسط.
قرار البرلمان العراقي بإنهاء التواجد العسكري الأميركي في بلاد الرافدين، يبقى في إطار التوقعات السياسية الطبيعية، نظراً لأن الأكثرية البرلمانية تميل إلى الجانب الإيراني، وهي من إنتاج وإشراف اللواء سليماني شخصياً، الذي كان يُدير تفاصيل الحركة السياسية العراقية.
الأجواء لا توحي بأن طهران ستكتفي بالرد السياسي، أو بقصف السفارة الأميركية في بغداد، وأن الحلفاء في محور الممانعة سيشاركون بقوة في ضربات الرد، على نحو ما اعلنه السيد حسن نصر الله أمس، مما يعني أن أوضاع الإقليم مفتوحة أمام شتي الإحتمالات، وأكثرها تشاؤماً.
ولكن أين لبنان من كل هذه المعمعة التي داهمت المنطقة على حين غفلة، وزادت نيران الإضطرابات اشتعالاً؟
الوضع اللبناني الحالي يصح عليه المثل القائل «لا تهزني.. واقف ع الشوار»، وبالتالي فإن أي اهتزاز في الوضع الأمني الداخلي، أو الهدوء الحالي على الحدود، سيؤدي إلى تفجير سلسلة تداعيات سلبية وكارثية، نظراً لإفتقاد البلد لأبسط مقومات المواجهة والصمود، في ظل هذا الكم من الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية، وحالة العجز والإفلاس التي تغرق فيها السلطة، وتعثر ولادة الحكومة الجديدة حتى الآن.
وبالتالي فإن أية عملية انتقام عبر الأراضي اللبنانية قد تتحوَّل إلى نقمة على البلد كله، وتزيد من سرعة الإنهيار الشامل الذي نعيشه هذه الأيام، من دون أن نجد، هذه المرة، شقيقاً أو صديقاً يقف إلى جانبنا، كما كان يحصل في المواجهات السابقة مع العدو الإسرائيلي!
فهل يبقى لبنان بعيداً عن ارتدادات الزلزال المقبل على المنطقة؟