على غير العادة٬ فيما أصبح عادة من تدخل وتطاول سافر من قبل النظام الإيراني في شؤون المنطقة٬ تصدر قاسم سليماني قائد فيلق القدس المشهد هذه المرة ليفتتح ماراثون التصريحات الهجومية ضد مملكة البحرين التي مارست حقها السيادي٬ كما هو الحال لأي دولة في الحفاظ على أمنها ضد من قام بتأسيس تنظيمات تابعة لمرجعية سياسية دينية خارجية٬ وعمل على تقسيم المجتمع تبًعا للطائفة.
قبل المضي في هذا الأمر٬ ألا تعلم أيها القارئ أن هناك صحيفة إصلاحية في إيران تسمى «قانون» قد تم إغلاقها منذ أيام قليلة فقط٬ بسبب شكوى تقدم بها الحرس الثوري؟!
هل نحتاج إلى ذكر الشواهد الأخرى التي يتعذر بها النظام الإيراني لتضييق الخناق على رموز كبيرة٬ ويزج بهم في السجون أو يضعهم رهن الإقامة الجبرية٬ باعتبارهم خطًرا على الأمن القومي؟ أحيلك إلى مقالة سابقة لي بعنوان «إيران من النمر إلى سلمان» بتاريخ 12 يناير (كانون الثاني) ٬2015 لتتجلى لك ازدواجية المعايير للنظام الإيراني٬ التي يحرم فيها ما يحلله لنفسه.
ما إن أعلنت مملكة البحرين سحب الجنسية من عيسى قاسم٬ حتى حانت الفرصة للنظام الإيراني من جديد لمحاولة إثارة القلاقل في مملكة البحرين. فرصة علّها تعوض ذلك الفشل الذريع للتهديدات التي أطلقها مسؤولو النظام الإيراني ضد المملكة العربية السعودية وتبخرت في الهواء٬ بعد إعدام المواطن السعودي نمر النمر. لعلنا نبالغ فيما تقدم وُنحمله أكثر من طاقته.
خير جواب على ذلك هو ما قاله المساعد السياسي لمدير مكتب الرئيس الإيراني حميد أبو طالبي بقوله: «إنه وبعد هزيمة المتطرفين في اليمن وسوريا وبدء اندحار (داعش) في العراق٬ يتبلور السيناريو المكرر ثانية٬ بهذه الصورة٬ وهي أن يقوم البلد الشقيق الأكبر من أجل التخلص من الضغط الأخلاقي للمجازر في اليمن وسوريا والضغط الدولي٬ بإثارة الاستفزاز وجّر المنطقة للفوضى٬ وأن يتم دفع الدول الصغيرة لقمع شعوبها وقادتها لتكون شريكة في جرائم الشقيق الأكبر٬ وبالتالي تخلصه من ضغط الرأي العام العالمي والوطني».
وقبل التصريح سابق الذكر٬ وكما أسلفنا٬ تصدر قاسم سليماني المشهد لترتكز تصريحاته حول التالي:
أ. عيسى قاسم خط أحمر٬ وتجاوزه يعني إشعال النار في البحرين والمنطقة بأسرها٬ ولن تبقي مثل هذه الممارسات خياًرا للشعب إلا المقاومة.
ب. إن الإساءة إلى عيسى قاسم ستكون بداية لانتفاضة دامية.
ج. التطاول على عيسى قاسم سيؤدي إلى سقوط نظام البحرين.
أين واجهة النظام الإيراني ممثلة في الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته ظريف من مثل هذه التصريحات؟ هل سيسيران في إثر قاسم سليماني؟ إذا كان كذلك٬ فلعل من الأفضل حّل قضية مير حسين موسوي ومهدي كروبي قبل التدخل في شؤون الدول الأخرى.
التدخل السافر والتوظيف السياسي للمذهب على أشده من قبل النظام الإيراني٬ وها هو الحرس الثوري الإيراني يقول إن أسس نظام البحرين «ستنهار سريًعا». تأتي المرجعية الدينية لتعطي الفتوى على لسان كاظم حائري بقوله: «يجب على المؤمنين الذين يستطيعون الدفاع عن مسلمي البحرين٬ أن يدافعوا عنهم قدر المستطاع».
لم يتوقف الأمر عند ذلك٬ بل جاء بيان وزارة الخارجية الإيرانية في الشأن ذاته أيًضا٬ يوسع النطاق ليشمل من يسير في فلك النظام الإيراني. الحشد الشعبي في العراق وفي أثر ميول محركه الرئيسي قاسم سليماني لإشعال المنطقة٬ تأتي تصريحات قادته في السياق ذاته٬ فها هو هادي العمري يقول: «قرار آل خليفة بحق الشيخ قاسم يمثل بداية لانهيار النظام البحريني»٬ وسار في أثره أيًضا قيس خزعلي قائد عصائب أهل الحق والبقية تتبع. ولم يكن لحزب الله اللبناني أن يبتعد عن رغبات النظام الإيراني وعن رغبة قاسم سليماني في إشعال المنطقة٬ فوجد أن القرار «بحق الشيخ قاسم يمثل بداية لانهيار النظام البحريني».
كل ما تقدم لا يدع مجالا للشك في أن النظام الإيراني ومن يسير في أثره ماٍض في توظيف المذهبي لتحقيق أهدافه التوسعية٬ وهو ما يتطلب وقفة جادة من قبل الدول العربية٬ وهو ما يحدث بالفعل مع مملكة البحرين.
يقترب القارئ ليهمس في أذن من يقول إن النظام الإيراني سيغير سلوكه بعد الاتفاق النووي٬ ويدعو إلى ضرورة مشاركته في الترتيبات الأمنية في المنطقة٬ ليقول له: نعم٬ إيران دولة إقليمية ومهمة لتحقيق الاستقرار في المنطقة٬ ولشعبها طاقات كبيرة لوُسخرت له إمكانيات الإبداع في الجوانب التنموية٬ ولكن عن أي إيران تتحدث؟ ها قد أعلنت قلقك من قرار السلطات البحرينية٬ ولكن ألا تثير تصريحات قاسم سليماني ومن جاء خلفه قلقك٬ وأنت تسعى إلى الاستقرار في المنطقة؟!