Site icon IMLebanon

قاسم لـ«الجمهورية»: الحرب مستبعدة و«صفقة القرن» فاشلة

 

الصورة الداخلية مشوبة بالغموض المطوّق بهالة واسعة وكثيفة من علامات الاستفهام التي تبحث عن إجابات حول مآل العديد من القضايا المطروحة، ولاسيما حول التوترات السياسية المتتالية، والمتنقلة بين جبهة وأخرى، كذلك حول التعقيدات المانعة للحكومة من دخول مدار الانتاجية التي تبدو شبه معطّلة حتى الآن، وفي احسن الاحوال، أقل من خجولة، ومن دون ان تقدّم هذه الحكومة سبباً مقنعاً حول هذا البطء، او توضيح ما يُفقدها ارادة الدفع او الاندفاع نحو الانتاجية. واذا كانت الصورة الداخلية لا توحي بالإطمئنان، وتبدو خالية من أي اشارات انفراج في المدى المنظور، فإنّ الصورة الاقليمية والدولية هي اكثر اهتزازاً مع التطورات المتسارعة فيها، وتبدو مفتوحة على احتمالات مختلفة ربطاً بالتوتر الاميركي الايراني المتصاعد، وايضاً بما يتصل بـ«صفقة القرن» ومُمهداتها على غرار مؤتمر البحرين، وتداعياتها على الدول المحيطة بفلسطين، وصولاً الى الاجتماع الامني الثلاثي الاميركي الروسي الاسرائيلي، وتأثيراته على المنطقة، وانتهاءً بالجبهة الجنوبية الخاضعة للتهديدات الاسرائيلية المتواصلة.

 

هذه الصور استعرضتها «الجمهورية» مع نائب الامين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، فكان هذا الحوار:

 

في الاساس هذه الحكومة هي حكومة الممكن، وفي كل الاحوال المطلوب منها ان تعمل بشكل أفضل وبوتيرة احسن، ويجب ان تبدأ بخطوات لها علاقة برسم السياسات الانتاجية في البلد، ولاسيما في القطاعات الاساسية لتكون اعمال الحكومة جزءًا من سياسات واضحة. الى الآن تفتقر اعمال الحكومة الى سياسات عامة في الزراعة والصناعة والخدمات وما يُعرف باقتصاد المعرفة.

 

البلد منخور بالفساد، نحن كحزب عندما أعلنّا قرارنا بمكافحة الفساد كنّا ندرك انّ هذه المواجهة معقدة وصعبة، وانّ هذه المعركة طويلة، وقد استطاع «حزب الله» من خلال مبادرته هذه أن يخلق حراكاً في البلد في هذا الاتجاه. وفي الخلاصة مكافحة الفساد هي مسار، ونحن ماضون فيه لتحقيق هذا الهدف بالامكانات التي نملكها وبالقدر الذي نقدر عليه، مع الاشارة الى أننا كـ»حزب الله» لسنا نحن الادارة التي تملك هذه الامكانات وأدوات المكافحة، بل نحن جزء من هذه الادارة.

 

«صفقة القرن»، في رأينا فاشلة قبل أن تبدأ، لأن أهم دعامة لنجاح اي مشروع ضد فلسطين ان يشارك فيه بعض من الفلسطينيين، يقبلون بالمشروع، او بحل الدولتين، او ببيع القدس. فعرب الخليج لا يستطيعون ان يبيعوا من حصة الفلسطينيين، لأنهم لا يقدرون ان يحموا عملية البيع. هم يريدون ان يدفعوا اعتماداً مالياً ليبيعوا القضية الفلسطينية. لكنّ هذا الاعتماد لا يُصرف، لأنه لا يوجد فلسطينيون يشاركون به. لذلك هذه الصفقة فاشلة.

 

من عوامل فشل صفقة القرن انّ كل ما كان يهرب منه الرؤساء الاميركيون السابقون اي أن يبادروا الى حل لا يكون الفلسطينيون جزءاً منه، قام به الرئيس الاميركي دونالد ترامب وأحرق كل المراكب بمعنى انه قطع الطريق على الحل، لأنه عندما يقول انّ القدس عاصمة لإسرائيل، معنى ذلك انه يقول للفلسطينيين انني لست بحاجة الى توقيعكم وموافقتكم. ومن هنا فإنّ ما تقرره الولايات المتحدة الاميركية ليس قدراً مع وجود شعب فلسطيني يقول لا، ومع وجود مقاومة تقاوم.

 

هذا المسار الذي حصل في البحرين، بتقديري، ان الهدف المركزي منه ليس صفقة القرن، بل تظهير التطبيع العربي مع اسرائيل على السطح. فمَن يراقب كلام ومواقف رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو منذ عدة سنوات، يراه يركّز على الحل مع العرب اولاً، بما ينزع السند العربي للفلسطينيين ويخلق مناخاً ضاغطاً على الفلسطينيين للقبول بالحل. وهذه المسألة يعمل عليها منذ عدة سنوات.

 

ففكرة منتدى البحرين هي جزء من هذه الخطة، واذا لاحظنا، في السنة الاخيرة كثرة الترويج عن التطبيع، فتارة يُحكى عن مؤتمر في اميركا يحضره مسؤول سعودي، وتارة اخرى يجري الحديث عن معرض في دولة خليجية يشارك فيه اسرائيليون. لقد كانت هناك مقدمات مبعثرة لترسيخ فكرة التطبيع.

 

ثم انّ هذا المؤتمر الذي أعطي له طابع اقتصادي، حرصوا على ألا يُظهروا الاسرائيليين بأنهم جزء رسمي فيه، فقط ليقولوا انّ هذا هو حل اميركي عربي له علاقة بحماية الفلسطينيين اقتصادياً، لا دخل لإسرائيل به، لكنه في جوهره تطبيع مع اسرائيل. والمؤتمر هو لتظهير التطبيع بشكل مباشر، لأنّ صفقة القرن ما زالت غامضة في كثير من تفاصيلها، فكل التأجيلات تؤشّر الى انّ بعض التفاصيل لم تنضج بعد، ويمكن ان تكون هذه الخطوات التي تحصل في التطبيع تقودهم الى إجراء تعديلات على الافكار الاولى لصفقة القرن المجهولة، طبعاً لمصلحة اسرائيل.

 

نحن لسنا متخوّفين من هذه الصفقة، علماً انها مرفوضة من قبل «حزب الله» جملة وتفصيلاً. ونحن نعتقد انها غير قابلة للحياة لأنّ العنوان المركزي فيها، الذي هو فلسطين والفلسطينيون، غير موافق على مبدأ الصفقة فضلاً عن تفاصيلها الغامضة.

 

بالتأكيد، فهذا المؤتمر الذي أعطي بُعداً اقتصادياً، واستبَقه جاريد كوشنير (مهندس صفقة القرن) بطرح ملياراته الخمسين لمدة 10 سنوات على فلسطين ومجموعة من الدول العربية، هذا الطرح يستهدف التوطين بثمن بَخس.

 

على مستوى لبنان يوجد إجماع برفض التوطين. واستطيع القول انه يقرب من الاستحالة ان يحصل توطين للفلسطينيين في لبنان مع وجود القناعة الجازمة لدينا جميعاً كلبنانيين في حق الفلسطينيين في العودة وضرورة تحرير فلسطين والقدس. وأؤكد انّ لبنان محصّن بدرجة كبيرة كنتيجة طبيعية للانتصارين المدويين: انتصار تموز 2006 على اسرائيل وانتصار الجرود 2017 على الامارات التكفيرية، فضلاً عن تعطيل مشروع نقل سوريا الى المحور الآخر.

 

على مستوى المنطقة، نحن نستبعد الحرب الاميركية على ايران لاعتبارات كثيرة اهمها: أولاً، ايران دولة قوية، تملك قدرات دفاعية مهمة، والاهم انّ لديها قيادة شُجاعة تتمثّل بالامام الخامنئي، وشعب مُضَح لديه القرار الجازم بالدفاع عن ايران. وثانياً، انّ ترامب اعلن مراراً أنّ وجوده في الخليج هو من اجل المال، والمال لا يمكن ان يحصل عليه الّا ببقاء التهديد، وكلما خاف السعوديون وغيرهم من الخليجيين، دفعوا اكثر. فما دام المال يصل الى ترامب بهذه الطريقة، هو لا يحتاج الى حرب، كما انه لا يستفيد من حرب يمكنه أن يبدأها، لكن لا يستطيع ضبط نتائجها وهي يمكن ان تبدأ مع ايران، لكن يمكن ان يُصاحبها اشتعال المنطقة، وهذا ما يجعل الجبهة جبهات والخسائر فوق قدرة العدّاد. وقد أثبتت التجربة خلال العقدين الاخيرين انّ محور المقاومة الذي تتزعمه ايران، قد حقق إنجازات كبيرة في عدد من دول المنطقة في فلسطين وسوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها، في الوقت الذي لم تكن فيه المواجهة مع جزء من المنطقة، وإنما مع تحالف دولي كبير تقوده الولايات المتحدة الاميركية مباشرة، ومن خلال أدواتها في المنطقة.

 

المسار مسار تصاعدي في الربح لمحور المقاومة، ومسار تنازلي في الاخفاقات لمحور أميركا – اسرائيل. والمشهد الذي رآه العالم حول إسقاط طائرة التجسس الاميركية من قبل الحرس الثوري الاسلامي الايراني يُبيّن هذه المعادلة، معادلة الاخفاق الاميركي في السياسات المعتمدة في المنطقة.

 

لقد عوّل الاسرائيليون كثيراً على هذا المؤتمر، مُعتقدين انّ عقده في الكيان الاسرائيلي ومع دولتين كبيرتين ومن محورين مختلفين تحت عنوان أمن اسرائيل، سيكون معبراً لخيارات سياسية يتبنّاها الاجتماع وتصبّ في مصلحة اسرائيل. لكنّ الفشل الذريع كان واضحاً منذ بداية الاجتماع من خلال الكلمات التي ألقيت، فالمندوب الروسي تحدث علناً بأنّ أمن اسرائيل حق طبيعي ولكن العلاقة مع ايران مستمرة بالنسبة الى روسيا ودورها في سوريا مشروع، وهي لا يمكن ان تنحاز الى اسرائيل في مواجهة ايران، وإنما يمكن ان تلبّي بعض الحاجات الامنية الاسرائيلية خارج دائرة المسار السياسي العام الذي لا تكون فيه روسيا جزءاً من الخيارات الاسرائيلية في المنطقة. نستطيع القول انّ الاجتماع الامني كان فاشلاً بامتياز منذ لحظة البداية.

 

لقد خفّت التهديدات الاسرائيلية العلنية، لأنها أصبحت عرضة للتهكم والسخرية، خاصة انّ كل المؤشرات والتقارير تدل على انّ الاسرائيلي يعاني نقاط ضعف قاتلة تُعيقه في المبادرة الى اي عدوان عسكري واسع، منها الجبهة الداخلية وعدم القدرة على حمايتها، وضعف جيش العدو في عمليات المواجهة البرية وعدم ضمان الربح في مواجهة «حزب الله»، والمراهنة على ترتيبات سياسية مع الفلسطينيين تُبطل الذرائع للمقاومة، وغيرها من الامور التي تشكّل عقبات حقيقية امام اي قرار بالحرب. هذا في التحليل، لكن نحن نؤكد دائماً على لازمة دائمة بأنّ استعدادات «حزب الله» وجهوزيته تأخذ بعين الاعتبار اي مفاجأة تحصل، وأيضاً كل الاحتمالات.

 

لو كانت العقوبات الاميركية مؤثرة بالقدر الذي كانوا يتوقعونه، لما لجأوا الى محاولة تشويه الصورة واتهام «حزب الله» بالاتجار بالمخدرات، او بالتخطيط لعمليات في الخارج، أو ما شابَه ذلك من العناوين التي تثير السخرية، وتظهر مدى حاجة الاميركيين الى اختراع او تظهير عناوين غير واقعية لتغطية ضعف النتائج في مسار العقوبات. وفي خلاصة الامر نحن في «حزب الله» حركة مقاومة، فكما نقاوم عسكرياً نقاوم العقوبات والدعايات وكل أشكال المواجهة بالطرق التي نراها مناسبة. والحمدلله، نحن ننجح في إضعاف نتائج استخدام أسلحة العدو في المواجهة.