IMLebanon

مرجعية دار الفتوى الوطنية والعربية تظلِّل الجميع إلا مَنْ أخرج نفسه من عباءتها

 

من أين يأتي الممانعون بهذه الوقاحة للمطالبة بالمنح الخليجية وهم يعادون دولها؟

 

 

في الخامس والعشرين من كانون الثاني 2022 عقدت اتفاقية تعاون بين دار الفتوى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر، برعاية مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان.

 

هدفت الاتفاقية الى دعم رواتب موظفي المديرية العامة للأوقاف الإسلامية في بيروت والمناطق اللبنانية من أئمة وخطباء مساجد والمدرسين والعاملين في الشؤون الدينية والإدارية كمنحة قيمتها مليون وواحد وتسعون الف دولار أميركي عبارة عن مكرمة تصرف لمرة واحدة فقط خلال هذا العام، وذلك تحقيقاً للأهداف السامية في التعاون الإسلامي، وتعزيزاً للشراكة في مجال رعاية الشأن الإسلامي ولتحقيق الاستقرار المجتمعي الديني في لبنان.

 

ووقع على العقد المدير العام للأوقاف الإسلامية الشيخ محمد أنيس الاروادي ومدير الشؤون الإسلامية في دولة قطر خالد بن شاهين الغانم، في حضور القائم بأعمال سفارة دولة قطر في لبنان علي المطاوعة وأمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيح أمين الكردي والمفتش العام للأوقاف الإسلامية الشيخ أسامة حداد والمدير الإداري في دار الفتوى الشيخ صلاح الدين فخري والأمين العام للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى القاضي خضر زنهور.

 

ثم تحدث المفتي دريان، قائلا: «تجمعنا نحن الشعب اللبناني علاقات عربية متينة، وعلاقات أخوية صادقة بين الشعبين القطري واللبناني، وهذه العلاقة اعتبرها علاقة تاريخية أصيلة، لان الشعب اللبناني شعب وفي، يذكر دائما لدولة قطر عطاءاتها ووقوف دولة قطر مع لبنان حكومة وشعبا في أزماته على مر التاريخ».

 

وأضاف: «نحن في دار الفتوى نختزن كثيرا من الوفاء لدولة قطر، نسأل الله سبحانه وتعالى ان يديم عليها الأمن والأمان والازدهار، ومن ضمن ما قدمته دولة قطر لدار الفتوى هو التبرع السخي الكبير لبناء مسجد الإمام الشافعي في بيروت الذي نتابع عملية بنائه وتأثيثه. وفي هذا اليوم لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية على العلاقة الطيبة التي تربطنا به، وعلى مبادرته الخيِّرة التي نوقع اتفاقيتها اليوم، ويحضرني هنا قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»، وسنبقى إن شاء الله على الإخوة الكاملة بإذن الله لأنه ليس لنا إلا أن نكون معا، يساند بعضنا بعضا، واغتنمها مناسبة لأشكر القائم بالأعمال الموجود بيننا وعلى تواصله المستمر في إنجاز هذه المكرمة. ونجدد شكرنا لدولة قطر، ولوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على هذه المنحة لإخواننا العاملين في مؤسسات دار الفتوى والأوقاف وبالأخص في هذه الظروف الصعبة التي نمر بها في لبنان، انه عمل مبارك ان شاء الله».

 

ضرورة تطوير العمل الوقفي: من الهبات إلى الاستثمارات

 

جاءت المنحة القطرية التي يبدو أنّها ستوزّع في شهر رمضان المقبل، لتسهم في سدّ ثغرات كثيرة يعاني منها القطاع الديني الرسمي، خاصة مع غياب منحة دولة الإمارات العربية المتحدة، وإنّ الطموح بأن تصل الأوقاف الإسلامية إلى مرحلة متقدمة من حسن الاستثمار لمواردها الكبيرة والمعرّضة للتعطيل في معظم المجالات، وهذا يدفع إلى ضرورة وضع دراسات تؤدي إلى استثمارات مشتركة مع الجهات المانحة والداعمة لتأمين الاستقرار المالي للأوقاف وليصل العطاء إلى الشرائح الفقيرة من المسلمين.

 

احتجاجات بطعم الوقاحة

 

لكنّ اللافت في متابعة أخبار المنحة القطرية لدار الفتوى، ورود أنباء عن احتجاجات وبيانات استنكار صدرت عن «مشايخ» في عكار بسبب استبعادهم عن الإفادة من هذه المنحة، على خلفية ولائهم لـ«حزب الله» وارتباطهم بسياساته وانخراطهم في حملاته الإعلامية والتزامهم بخطابه وبتوجهاته على جميع المستويات.

 

وذكر هؤلاء «المشايخ» في أحاديث صحفية أنّ أسماءهم لم ترفع أصلاً من دائرة الأوقاف في عكار، «بسبب توجهاتهم المؤيدة للمقاومة، وصولاً إلى تكفيرنا»، محمّلين المسؤولية لكل من رئيس دائرة الأوقاف في عكار الشيخ مالك جديدة، ومسؤول الشؤون الدينية الشيخ محمد الحسن، والشيخ خلدون عريمط.

 

أصدر المعترضون، بياناً طالبوا فيه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بـ«تصحيح الخلل الحاصل بين أبناء الملة الواحدة والمذهب الواحد والوطن الواحد والوظيفة الواحدة، وذلك بإضافة الأسماء المشطوبة، والعمل على التصحيح التقني والتحقق من صرف هذه المنحة لمستحقيها، حيث نعلم أن هناك أسماء كثيرة لا تستحق هذه المنحة». ولوّح المعترضون «في حال عدم تصحيح الخلل بالتصعيد بشتى الوسائل الشرعية والقانونية المتاحة، ومنها التظاهر أمام دار الفتوى وأمام السفارة القطرية بمشاركة وسائل الإعلام».

 

الغريب في هذا البيان أنّ هؤلاء تذكروا الآن انتسابهم لدار الفتوى وانتماءهم إليها، وهم الذين طالما اصطفوا في الجهة المقابلة الخارجة على توجهات الدار.. فهل القضية مطالب مالية أم أنّ الغاية منها افتعال إشكال والتشويش على المرجعية الدينية والجهة المانحة؟

 

وبغضّ النظر عن السبب في حجب أسماء هؤلاء عن الإفادة من المنحة القطرية، وقبلها الإماراتية، إلاّ أنّ ثمة أسئلة ملحّة تفرض نفسها في هذا المجال:

 

إذا كان هؤلاء «المشايخ» يتلقون الأموال من «حزب الله» فلماذا يصرّون على أخذ المال من دار الفتوى، وهم ملتزمون بالحزب وسياساته، وليس بتوجيهات دار الفتوى؟

 

كيف يقبل هؤلاء بتلقي المال الخليجي، القطري، وقبله الإماراتي، إذا كان حزبهم يشنّ الحروب على دول الخليج، وكيف ينتظرون من هذه الدول أن تدفع لهم الأموال، وهم يسخّرون المنابر التي يعتلونها لشنّ الحملات على الدول الخليجية؟

 

من أين يأتي هؤلاء بهذه الوقاحة التي تتيح لهم المطالبة بالمال من «أعدائهم» وممن يخوّنونهم ويجاهرون في معاداتهم.. ولماذا يريدون وضع أسمائهم في لوائح «المال الأسود» على حدّ وصف من يوالونهم في السياسة؟

 

تشويه متعدّد الجوانب

 

الأنكى من هذا أنّ هؤلاء يتّهمون من يمنع عنهم هذا المال في إجراء إداري له علاقة بالسياسات العامة لدار الفتوى، وبشروط المانحين، بأنّهم يتعرّضون للتكفير، وهذا هراء مليء بالوقاحة، لأنّ من اختار الانحياز إلى مشروع قتل وهجّر وشرّد الملايين في سوريا والعراق واليمن، ويقتلهم «على البارد» في لبنان، لا يحقّ له الحديث عن التفكير، خاصة لدار الفتوى المعروفة بالوسطية والاعتدال.

 

الواقع أنّ هذه المسألة لا تتعلّق بالجانب المالي فحسب، بل هي ترتبط فعلياً بمدى الانتماء إلى دار الفتوى، دار المسلمين ومرجعيتهم، وبمدى الالتزام بوسطيتها ورفضها العداء للعرب.

 

لطالما وقف هؤلاء «المشايخ» في المقلب الآخر وكانوا عوناً لحزبٍ أشهر السلاح في وجه شركائه في الوطن..

 

مشايخ «حزب الله» هؤلاء يصطفون في «تجمع العلماء المسلمين» فيبصمون على بيانات التأييد المطلق لسياسات إيران وحزبها في لبنان، حتى في الشؤون التي تنتقص من صلاحيات رئاسة الحكومة وفي القضايا التي تمسّ حقوق أهل السنة، فضلاً عن دعم الاعتداء على سيادة الدولة.

 

شكراً قطر على منحة دعم دار الفتوى، ونأمل عودة المنحة الإماراتية، وأن تكون هناك منحة سعودية ومن سائر الدول العربية، على أن ننتقل بالعمل الوقفي من الدعم التكافلي إلى وضع تصورات وخطط تسهم في الانتقال إلى العمل الوقفي الاستثماري، وذلك لتعزيز الدور الوطني والعروبي لدار الفتوى، التي تتسع مظلتها لجميع من يحمل مبادئها وثوابتها الإسلامية والوطنية.