IMLebanon

قطر والرزّ الإيراني والعسكر التركي!

القضية لا تتعلق بأزمة بين قطر وكل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين وبعض الدول العربية الأخرى، وإنما هي تحول استراتيجي نوعي في مواجهة الإرهاب، تقوده الدول الأربع ولن تتراجع عنه. ولأن قطر تؤوي إرهابيين وتنفق عليهم ولها خطط وطموحات تسعى إلى تحقيقها عبر تحالفها مع أشخاص وجماعات إرهابية، كان طبيعياً أن يقع الصدام. ما يزيد من وطأة الأمر أن قطر لم تدرك حتى الآن أن الدول الأربع تقود تحركاً دولياً، ليس لتحقيق الاستقرار وإنما لفرضه.

لا يبدو أن الدوحة قرأت الرسائل جيداً أو فهمت فحواها، ولذلك تسير في طريق يزيد من أزمتها. القنوات القطرية تحفل بالهجوم طوال اليوم على مصر وتتطاول على الرئيس عبدالفتاح السيسي وتحمّله مسؤولية ما يجري، وفي الوقت نفسه تسخر من القرار المصري بالمقاطعة لأنه لم يكن قراراً فردياً!

أمسك «الإخوان المسلمون» معاول التجريح وسكاكين السباب ومدافع الشتائم وركبوا منصات الإعلام القطري ليتهموا القاهرة بأن لا موقف لها، وأنها سارت في الركب الخليجي، وأن السيسي ضرب مكانة مصر حين تخاذل عن اتخاذ قرار كهذا منذ فترة، وهو الذي يواجه مشكلة مع قطر منذ رحيل «الإخوان» عن السلطة. هنا يمكن أن تتجاوز مسألة السخرية من الإعلام «الإخونجي» الممول قطرياً، حين يستقبل الشتامين وهم يلومون مصر لأنها تقاعست عن قطع العلاقات مع قطر! اعتدنا أن النقاش مع الكائن «الإخواني» غير مجدٍ، لأن عقله تربى على السمع والطاعة لمرشده أو قائده أو من ينفق عليه، حتى لو كان يأمره بما يخالف الدين والعرف والعقل.

مواقف القاهرة من الدوحة قديمة وبدأت مع سقوط حكم «الإخوان» وبعد الصدمة التي أصابت قطر، إذ أوقفت مصر عمل مكتب «الجزيرة» في القاهرة، وألقت القبض على بعض مراسليها وبعضهم في السجون الآن. مصر أيضاً اتهمت قطر علناً ومراراً بدعم الإرهاب وتمويل الإرهابيين واحتضان «الإخوان المسلمين» والإنفاق على الآلة الإعلامية الضخمة للجماعة. صحيح أنه لم يرد على لسان السيسي اسم قطر أو حتى جماعة «الإخوان»، لكن كل المراقبين والمتابعين أدركوا كل مرة يتحدث فيها عن «أهل الشر» أنه يعني قطر والجماعات الدينية الراديكالية المتحالفة معها. الموقف المصري من قطر معلن منذ فترة ومعروف أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، سعت إلى محاولة التوفيق بين البلدين وضغطت على قطر لتغيير سياساتها وسحبت السفراء في العام 2014 وتعهدت الدوحة بمراجعة مواقفها، لكنها عادت وتنصلت.

هذه المرة من المؤكد أن الأدلة التي تملكها الدول الأربع كانت سنداً لها أثناء قمة الرياض، التي حضرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعماء وممثلو 55 دولة، ويبدو أن تلك الأدلة محكمة وواضحة وتتضمن بالتفصيل دور قطر في دعم الإرهاب.

وجاء التحرك المصري في مجلس الأمن للتحقيق في واقعة تسديد قطر نحو بليون دولار فدية لإرهابيين في العراق، وكذلك القائمة التي أصدرتها الدول الأربع وتضم 59 شخصاً و12 كياناً مرتبطين بالإرهاب المدعوم من قطر، ليكشف أن عملاً جاداً كان يجري، وأن الأمر ليس مجرد أزمة مع قطر، وإنما هو بالفعل تحول نوعي نحو مواجهة الإرهاب.

في هذا الإطار، جاءت كلمة الرئيس المصري في قمة الرياض، التي طالب فيها بضرورة معاقبة الدول التي تنفق على الإرهاب وتموله، وكل الحاضرين والمشاهدين والمستمعين فهموا أن الرجل كان يقصد الدوحة.

بالنسبة إلى «الإخوان المسلمين» وحركة «حماس»، لا فرق مبدئياً بين الجماعة والحركة، على رغم فك الارتباط الذي أعلنت عنه «حماس» أخيراً. «الإخوان» يريدون الثأر من مصر والسيسي والمصريين، بعدما ثار الشعب المصري على حكمهم ولبى الجيش طلبات الشعب بعزلهم، وهم مارسوا العنف والإرهاب والحرق أمام الجميع، وقطر تؤوي رموزهم وقادتهم. «الإخوان» لهم أيضاً طموحات وأطماع وسعوا لإسقاط أنظمة الحكم في دول أخرى، وقطر التي تعهدت عام 2014 بوقف نشاط الجماعة لم تلتزم وتنصلت فصار الأمر تهديداً مباشراً لجيرانها، الذين رأوا ما يجري لمصر، فتحركوا للدفاع عن الأمن القومي العربي كله.

أما سلوك الدوحة باستدعاء إيران وتركيا لتحقيق الحماية فيدخل ضمن التصرفات الهزلية والأخطاء الفادحة والحسابات العديمة العواقب، ويتعارض حتى مع ما دأبت الآلة الإعلامية القطرية «الإخوانية» على ترسيخه على مدى سنوات بمعايرة مصر بالرز الخليجي والحكم العسكري، فكان الحل القطري في الرز الإيراني والعسكر التركي!