يحفل الأسبوع الطالع بأكثر من لقاء دولي وإقليمي، وتتماهى الأجندات الإقليمية والدولية من شرق المتوسط حتى ثغور الخليج العربي على وقع الطموحات الإيرانية والتركية.
لقاء أستانة (5) المُنعقد اليوم وغداً، يبحث مصير مناطق خفض التوتر التي تكرّس نفوذ كلّ من إيران وتركيا في سوريا بحضور شاهديّ الزور: النظام السوري المُرتهن بشكلٍ كامل للقوى العسكرية التي تدعمه، بشقيّها النظامي والميليشيوي، والمعارضة السورية التي أصبح ممثلوها أقرب الى اللاجئين السياسيين، أنّا حلّوا في أنقرة أو في سواها، منهم إلى قيادات معارضة مقيمة في الخارج لدواعي نضالية أو أمنية. شتّان هنا ما بين المعارضة السورية والمعارضة الإيرانية بقيادة مريم رجوي التي شاهدناها في مؤتمر باريس. وفي اجتماع القاهرة تُبحث العلاقات القطرية الإيرانية وضرورة مغادرة العناصر المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني الأراضي القطرية، وقطع التعاون العسكري والإستخباراتي مع إيران وعلاقة قطر مع تركيا، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية الجاري إنشاؤها حالياً، ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية. وفي قمة العشرين التي تُعقد في 7 و8 من الشهر الحالي في مدينة هامبورغ الألمانية، التي وإن حفلت بخلافات عديدة حول مواضيع المناخ ونفقات التسليح فإن المؤتمرين متفقون حول موضوع الإرهاب ووقف تمويل الجماعات المتطرفة بالإضافة إلى بحث الموضوع السوري بين الرئيسين الروسي والأميركي على هامش القمة.
الوقائع الميدانية المواكبة للإجتماعات لا تخرج عن السياقات المطروحة للنقاش. في سوريا تحشّد للقوات التركية غرب الفرات في الشمال، واستئثار كردي بمعركة تحرير الرقة تدعمه الولايات المتّحدة، وقصف روسي لمحيط درعا، وطلب لواء «أنصار المرجعية» التابع لقوات الحشد الشعبي، «الموافقة من رئيس الوزراء حيدر العبادي لدخول الأراضي السورية بعمق 30 كم من أجل مطاردة تنظيم داعش المتواجد في الداخل السوري، حفاظاً على النصر العظيم الذي تحقق في غرب نينوى، بالرغم من قرار رئيس الوزراء في (6 حزيران 2017)، عدم السماح لأي أحد بتجاوز الحدود العراقية السورية، وعدم زجّ العراق في نزاع داخل سوريا. وعلى الساحة الخليجية مزيد من الإنغماس العسكري التركي والإيراني بالرغم من التصريحات التي تدعو إلى تغليب الحلّ السياسي. وفي لبنان دعوة صريحة من حزب الله للتنسيق مع الحكومة السورية للبحث في موضوع عودة النازحين بعد دعوة الأمين العام لفتح الحدود لمئات الآلاف من المجاهدين والمقاتلين من كلّ أنحاء العالم العربي والإسلامي من العراق ومن اليمن ومن إيران ومن أفغانستان ومن باكستان، ليكونوا شركاء في المعركة.
مؤشرات عديدة تُضفي على المشهد الخليجي مزيداً من التشاؤم وترفع احتمالات تجاوز الوسائل الدبلوماسية في حلّ الأزمة القطرية نحو المواجهة المفتوحة. التكتم حول الردّ القطري على لائحة المطالب الموقعة من الدول الأربعة الذي ورد اليوم عبر الكويت يوشي بسلبية كبيرة يحملها في متنه ويغلّب انسداد الأفق على ما عداه. اعتذار الملك سلمان عن حضور قمّة العشرين التي تتزامن مع اجتماع القاهرة يقدًم عنصراً سلبياً بارزاً، هذا بالإضافة إلى الإتصال الذي أجراه الرئيس الأميركي بكلّ من الدول الأربعة الموقّعة على لائحة المطالب والذي لم يكشف مضمونه والقمّة المُستجدة بين وزيريّ الخارجية الألماني والسعودي حول موضوع الدور القطري في تمويل الإرهاب.
لقد دفعت الدول القومية في العالم العربي ثمناً باهظاً لفشلها في توسيع دائرة التأثير خارج حدودها لتحقيق الوحدة العربية ودخلت في توتر متبادل مع قوى إقليمية غير عربية وفي صِدام مع قوى عربية أخرى، ويقدّم احتلال العراق للكويت في هذا المجال نموذجاً للفشل في تحقيق العراق الكبير إلى جانب القضاء على التضامن العربي الذي ظهر في الحرب العراقية الإيرانية، كما تُقدّم السياسات السورية تجاه لبنان والأردن وفلسطين نموذجاً في التسبّب في وقوع الأردن ومنظّمة التحرير الفلسطينية في عملية السلام تحت وطأة التأثير الإسرائيلي.
إنّ القاسم المشترك بين تركيا وإيران هو قناعة كلّ منهما بأنّها حبيسة حدود سياسية أضيّق مما يجب وأنّ بإمكانها تبني استراتيجية إقليمية تتجاوز حدودها بصفتها المركز الأكثر عراقة لولادة الدولة الإسلامية النموذج كبديل عن نموذج الدولة القومية.
هل تأخذنا الطموحات التركية والإيرانية لتوسيع ساحات التأثير خارج حدودهما إلى مواجهة محتومة في الخليج العربي وسوريا؟
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات