Site icon IMLebanon

قطر في بيروت: «عيَّان بيداوي ميت»

 

الثابت الوحيد في السياسة الخارجية القطرية هو مناكفة السعودية. ستفعل قطر نقيض أي شيء تقوم أو لا تقوم به المملكة.

آخر مثالات ذلك مشاركة الشيخ تميم في القمة الاقتصادية في بيروت، في قرار اتخذ في اللحظات الأخيرة، بعد تتالي الأنباء عن اعتذاره من ضمن الاعتذارات العربية الشاملة (ما عدا موريتانيا)!

ما يعزز انطباع المناكفة عن الزيارة، أنها جرت بعد اتصالات بين بيروت والدوحة، تمنت على أمير قطر حضور قمة بيروت الاقتصادية، عساه ينقذ بعضاً من ماء الوجه السياسي لرئاسة الجمهورية والحكومة، اللتين بدتا عاجزتين تماماً أمام تغول «الجماهير» التي نزلت إلى الشارع وأمعنت في إهانة الدولة الليبية.

شكل أداء رئيس المجلس النيابي السياسي، وتلويحه بتكرار الانقلاب الميليشياوي الذي قاده مع وليد جنبلاط على النظام اللبناني عام 1984، وتغطيته لاستباحة الشارع وإنزال وإحراق علم ليبيا، على خلفية قضية اختفاء الإمام موسى الصدر إبان حكم معمر القذافي، شكل كل ذلك آخر الإشارات على حجم التردي الدولتي الحاصل في لبنان، ومستوى خضوع قرار البلد إلى تنمر الميليشيات.

زيارة أمير قطر، في هذه المناخات، تتلخص في بحث الدولة اللبنانية اليائس عن ورقة توت تغطي بها انكشاف عورة الهيمنة الإيرانية على البلاد، والارفضاض العربي عنه تالياً، وإن كنت ممن لا يسقطون عن الأداء العربي جزءاً من مسؤولية إيصال لبنان إلى ما وصل إليه، وهذا ما خضت فيه تفصيلاً على صفحات هذه الجريدة بالتحديد.

بهذا المعنى، لا تبدو زيارة أمير قطر إلى لبنان مصممة لاستئناف دور قطري خاص في الأزمة اللبنانية المتعددة الأبعاد. فقطر لا تملك الآن مقومات أن تلعب أدواراً أو تنتهج سياساتٍ، أكثر من محاولة معالجة تبعات المقاطعة الخليجية لها.

عليه كان الأبرز في الزيارة مساهمة قطر بـ50 مليون دولار في صندوق عربي للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، اقترحته الكويت خلال القمة، وهي مساهمة تنطوي على غزل قطري بالكويت تريد منه الدوحة التذكير بالفروقات ولو الطفيفة بين مواقف دول مجلس التعاون الخليجي من الأزمة القطرية.

الحقيقة أن زيارة أمير قطر المختصرة جداً إلى بيروت وبدل أن تغطي على انكشاف الدولة اللبنانية، ألقت ضوءاً كاشفاً على تراجع مكانة قطر وحيويتها السياسية التي لطالما تميزت بها، بصرف النظر عن النتائج السياسية لهذه الحيوية وتوظيفاتها.

المفارقة أن لبنان الذي كشف هزال قطر كان واحداً من المسارح التي بنت عليه الدوحة مكانتها.

خلال أقل من ثلاث سنوات على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الحليف الأبرز للسعودية في المشرق العربي، تغيرت البيئة الاستراتيجية المحيطة بلبنان.

خرج جاك شيراك من الإليزيه تاركاً مكاتبها لنيكولا ساركوزي، صديق قطر، وتراجعت حيوية جورج بوش الذي أمضى ولايته الأولى وبعضاً من الثانية متحدثاً عن لبنان النموذج وقصة النجاح لتصدير الديمقراطية إلى الشرق الأوسط كواحدة من نتائج حربه في العراق!!

وفيما كان لبنان في عام 2007 يغرق بالاغتيالات والاشتباكات الأهلية الداخلية، وحرب مكلفة خاضها الجيش ضد عصابة إرهابية مرعية من دمشق في مخيم نهر البارد شمال لبنان، هي عصابة «فتح الإسلام» بقيادة شاكر العبسي، كانت سوريا تتهيأ للخروج من عزلتها الدولية وهي لحظة استثمرت فيها قطر الكثير من رأسمالها السياسي والدبلوماسي.

في خريف 2007 شكلت دعوة سوريا ومشاركتها في مؤتمر أنابوليس (الولايات المتحدة) للسلام في الشرق الأوسط علامة فارقة ودليلاً على معادلة جديدة لعبت فيها كل من قطر وفرنسا نيكولا ساركوزي، دوراً في إعادة تلميع بشار الأسد واستخدامه لإنتاج أدوار رئيسية لهما في الشرق الأوسط على حساب جورج بوش، الذي كانت ولايته الثانية قد تجاوزت نصفها.

وفيما كان لبنان يعاني من ذيول حرب يوليو (تموز) المدمرة لاقتصاده وبنيته التحتية وعلاقات مكوناته الأهلية، رحبت إسرائيل علناً بقرار سوريا المشاركة في مؤتمر أنابوليس، مؤكدة أن هذه المشاركة قد تفتح مساراً للسلام بين البلدين الجارين.

كل هذه الانقلابات في البيئة الداخلية والإقليمية والدولية التي يتحرك فيها لبنان ستشهد انعطافة جديدة في مايو (أيار) 2008 مع قرار «حزب الله» استخدام سلاحه في الداخل اللبناني، في الوقت الذي بدا فيه الأسد أمام فرصة إعادة تأهيل دولية تقودها باريس والدوحة وتل أبيب وأنقرة التي كشفت عن استضافة اتصالات إسرائيلية سورية يومها!

انتهت أحداث مايو 2008 للمفارقة باتفاق الدوحة، الذي شكل وثيقة استسلام للفريق السيادي، وورقة بنود سياسية أدخلت تعديلات عملية على اتفاق الطائف، ومنحت «حزب الله» قوة فيتو داخل الحكومة عبر ما يسمى «الثلث المعطل»!

بدا كل هذا ماضياً بعيداً، حين حطت طائرة أمير قطر في بيروت.

زيارة بدت في هزالها، ترجمة سياسية للمثل الشعبي المصري «عيَّان بيداوي ميت»!