IMLebanon

هل تنجح قطر في تزكية الخيار الثالث؟

 

من الصعب إقناع الرأي العام المحلي والخارجي بأنّ جهة سياسية تتمسّك بمرشحها الرئاسي من دون أفق ولا معطيات، لا بل من الواضح انّ هذه الجهة تبحث عن ثمنٍ لتراجعها عن موقفها.

 

يُفترض ان يكون الثنائي الحزبي الشيعي وصل إلى قناعة بأنّ الوقائع الخارجية والداخلية تعاكس رغبته بانتخاب مرشحه، فاللجنة الخماسية مع مرشّح توافقي والسعودية لن تدعم لبنان سوى في حالة التوافق أولاً، وثانياً اختيار المرشّح الذي يلتزم بالدستور ويتصدّى لكل ما يعكِّر علاقة لبنان بالدول الخليجية، والقوى السياسية المحلية لن تتراجع عن موقفها الرافض مقايضة الانتخاب بالخضوع، وبالتالي السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه: ماذا ينتظر الثنائي الحزبي الشيعي للتراجع عن مرشحه على رغم عدم قدرته على انتخابه؟ وما الثمن الذي يبحث عنه؟ وهل الثمن محلي أم إيراني أم الاثنين معاً؟

 

والبحث عن ثمن يسدّد لطهران و»حزب الله» مردّه إلى وجود قناعة بأنّ العقدة لم تعد محض رئاسية وإلا كان الحزب انتقل إلى الخيار الثالث بعدما وجد أن طريق مرشحه محكمة الإقفال. وبالتالي، تمسّكه بمرشحه في غياب المعطيات التي تخوِّله انتخابه يؤشر إلى انه يبحث عن ثمن بعدما اعتقد ان الترسيم البحري كان الثمن الذي يُقايض به الرئاسة، فوجد نفسه يتنازل عن الترسيم مقابل لا شيء، والسبب في ذلك يعود إلى أمرين:

 

الأمر الأول: كَون أميركا ليست في وارد تسديد فواتير لإيران في لبنان، واعتبرت انّ حسن النية التي أبدتها طهران في الترسيم ترتبط بحسابات نووية من جهة، ومصلحة لـ»حزب الله» من جهة ثانية الذي يريد التحكُّم بإدارة استخراج الغاز بما يخدم تركيبته السياسية.

 

الأمر الثاني: كَون المقايضة الصورية التي سعى إليها من خلال رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في رئاسة الجمهورية ونواف سلام في رئاسة الحكومة لم تؤيّدها المعارضة وسقطت مع انتقال باريس من مروِّج لهذه المعادلة إلى الخيار الثالث، وبالتالي وجد الحزب نفسه في وضعية خاسر-خاسر، فلا هو قادر على انتخاب من يحمي «ظهر المقاومة»، ولا باستطاعته مقايضة تراجعه بمكاسب أخرى.

 

فلا تفسير آخر للمراوحة الرئاسية خصوصاً ان «حزب الله» بات على يقين باستحالة انتخاب مرشحه، وان الرهان على الوقت لن يبدِّل في الوقائع والمعطيات، وبالتالي من الواضح انه يريد من يفاتحه او يفاتح طهران بالثمن الذي يريد ان يقبضه ليُفرج عن الانتخابات الرئاسية.

 

وهنا بالذات تكمن أهمية الدور القطري الذي سيحاول معرفة العقدة الرئاسية الفعلية والحقيقية انطلاقاً من علاقته الوثيقة بالقيادة الإيرانية واستطراداً «حزب الله»، ومعرفته مرهونة بثقة طهران ان واشنطن على استعداد لتسديد الثمن، وفي حال لم تكن أميركا بهذا الوارد فيعني ان القيادة الإيرانية لن تكشف الثمن الذي تريده مقابل تنازلها عن الانتخابات الرئاسية.

 

ولكن ماذا لو لم تجد إيران واستطراداً «حزب الله» من يدفع ثمن تراجعهما الرئاسي في لبنان، خصوصا ان لا اللجنة الخماسية في هذا الوارد، ولا المعارضة أيضا، وبالتالي هل هذا يعني ان الشغور سيبقى على حاله بانتظار ان يجد محور الممانعة من يشتري تنازله او يُقايضه؟

 

ليس بالضرورة وتحديداً في حال وجد محور الممانعة انّ ثمن تمسّكه بموقفه الرئاسي أصبح أكبر من ثمن تنازله، فيضطر حينذاك إلى التنازل من دون شروط، لأن اللجنة الخماسية تتجه أكثر فأكثر نحو التصعيد ولن تتراجع أمام إيران في لبنان لثلاثة أسباب أساسية:

 

السبب الأول، لأنّ الخماسية لا تدعم فريقا على حساب آخر، إنما تنطلق من المعطيات التي لا تسمح لأي فريق بانتخاب مرشحه، وبالتالي لا تجد نفسها طرفا، إنما تضع جهدها لإنهاء الشغور خشيةً منها على وضع البلد في حال استمرار هذا الشغور. ولذلك، لا تجد تبريرا ولا تفسيرا لموقف إيران، إذ لو كانت الخماسية تريد انتخاب رئيس ضد «حزب الله» لكان تعنُّت الحزب مبرراً، وأما في الحالة الراهنة فموقفه يشكل عائقا أمام التوافق، خصوصا انه عاجز عن انتخاب مرشحه.

 

السبب الثاني، لأنّ الخماسية لن تسمح بانتصار إيراني صافٍ في لبنان، وهذا الانتصار لن يسجّل فقط ضدّ خصوم «حزب الله»، إنما ضدّ الخماسية في الوقت نفسه، فتكون إيران قد نجحت في ان تهزم الدول الخمس مجتمعة، وهذا ما لن تقبل به هذه الدول.

 

السبب الثالث، لأن السعودية لا تريد تسجيل نقطة على إيران في لبنان، ولكنها لا تريد في الوقت نفسه ان تسجِّل طهران نقطة عليها في بيروت، وهذا ما يفسِّر دفعها من الأساس باتجاه مرشّح من خارج الاصطفاف، ولن تقبل بكسر التوازن القائم لمصلحة محور الممانعة.

 

وفي المعلومات انّ الخماسية لن تكتفي بالموقف الرافض تكريس مشروع غلبة في لبنان، كما لن تكتفي بوساطة من دون أفق وأحد أطرافها يعرقل من أجل العرقلة بانتظار تحولات خارجية قد تحصل وقد لا تحصل، وهذا ما سيدفع الخماسية بعد منح قطر الوقت الكافي لمبادرتها إلى وقف هذه الوساطة وتسمية الفريق المعرقل بالاسم كتمهيد للانتقال إلى مرحلة العقوبات.

 

فاللجنة الخماسية ليست قوات حفظ سلام مهمتها الفصل بين المتحاربين، ولا دورها دور صليب أحمر، إنما لجنة تألّفت على أثر الشغور الرئاسي ووضعت لنفسها مهمة إنهاء هذا الشغور، وهي دول مهتمة بالوضع اللبناني وحريصة على استقراره، ولن تقف مكتوفة الأيدي لا أمام محاولات الهيمنة على قراره، ولا أمام تصوير الدول الخمس بأنها عاجزة أمام إيران.

 

ولن يكون من مصلحة طهران خوض مواجهة مفتوحة من دون وجه حقّ وبخلفية تعطيلية وسلبية فقط في الوقت الذي تعمل فيه على إعادة بناء عامل الثقة مع الرياض، خصوصاً انّ أحداً لا يبحث عن هزيمتها في لبنان، ولكن لا أحد بالمقابل في وارد إهدائها انتصارا مجانيا. وبالتالي، لا بدّ، انطلاقاً من كل ما تقدّم من معطيات، من ان تراجع طهران موقفها وان تتراجع لمصلحة مرشّح رئاسي توافقي تجنباً لتوتير العلاقة مع دول الخماسية، وهذا التراجع سيكون تلقائيا ومن دون مقايضة او ثمن مقابل.

 

وما ينطبق على الخماسية ينسحب على قوى المعارضة التي تراجعت باتجاه المساحة المشتركة والتوافقية وقدّمت التسهيلات الممكنة كلها لإنهاء الشغور الرئاسي، ولكنها اصطدمت على غرار الخماسية بموقف للممانعة لا مفهوم ولا منطقي ولا مبرّر، إذ كيف يمكن لفريق سياسي ان يتمسّك بمرشّح غير قادر على انتخابه ويمنع الانتخابات من خلال تعطيل النصاب وعدم الالتزام بالدستور؟ فمن حقّه التمسك بمرشّح، ولكن ليس من حقه إطلاقاً تعطيل المسار الانتخابي وتفريغ رئاسة الجمهورية وإدخال البلد في أزمة مفتوحة.

 

فما تحاول فعله المعارضة هو إنهاء العادة التي درجت عليها الممانعة: التعطيل لانتزاع المكاسب، وهذا أسوأ ما اقترفته المعارضة من أخطاء سابقة، لأن التعطيل يجب ان يقابل بالتصعيد والتنديد وتحميل مسؤولية المَسّ بالدستور والخسائر المالية الناجمة عنه، وليس ان يقابل بالتراجع والتسليم بأغراض المعطِّل وأهدافه.

 

ولأن الخماسية ليست في وارد التراجع عن مبدأ الخيار الثالث ولا المقايضة لانتزاع تراجع إيران، ولأن المعارضة ليست في وارد التراجع عن الخيار الثالث الذي استبقَت فيه الخماسية ولا في وارد المقايضة، ولأن طهران لا تريد توتير علاقتها المستجدة مع الرياض بسبب تموضع رئاسي هجومي لا وفاقي، ولأن الوضع المالي لا يسمح بالرهان على عامل الوقت. وبالتالي، لكلّ هذه الأسباب وغيرها ستنجح قطر، واستطراداً الخماسية، في تزكية الخيار الثالث.