IMLebanon

كرة الرئاسة في مرمى قطر

 

بعد الهزائم المتتالية التي تلقّاها فريق الدبلوماسية الفرنسية في لبنان، والإنتقال الإنحداري في تحليل المشهد الكارثي والمأزق الرئاسي من طرح تحويل المجموعة الخماسية إلى مجموعة (٥ + ١) عبر دعوة إيران للمشاركة في اجتماعاتها من أجل إيجاد الحلول اللازمة لأزمة لبنان إلى مجموعة (٥ – ١) أو ما سُمّي بالمجموعة الرباعية زائد فرنسا التي أقرّت بسقوط مبادرتها الأخيرة بشكل أو بآخر أمام سيل الكرات الرئاسية والنارية التي أتخمت شباك حارس الخماسية الأول المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي غرّد طويلاً خارج سربها ومنطقتها الجزائية من خلال دعمه خيار فرنجية وانحيازه بذلك لمرشح فريق لبناني على حساب آخر، ولو حاولت فرنسا إنكار ذلك.

السيد لودريان ترك مكانه في هذه الجولة المستقطعة قبل الإنهيار الشامل والأخير لأبو فهد القطري الذي اهتزت شباكه سريعاً بكرة رئاسية من بنشعي أكدت على استمرار رئيس تيار المردة ومرشح الثنائي الشيعي في الملعب الرئاسي وأصابت مرمى الدبلوماسية القطرية والخيار الثالث الذي تعمل الدوحة على تسويقه بعد فشل كافة المرشحين لغاية اللحظة في تأمين الأصوات اللازمة لانتخاب أحدهم وفق أحكام الدستور، وبعد ذلك كانت كرة رئاسية حاسمة من خلال كلمة أمين عام حزب الله الأخيرة حيث أعلن أنه لا تقدّم في ملف الرئاسة ولا جديد يُذكر، وكرة إضافية باستمرار الاستثمار بتضييع الوقت ومؤسسات الدولة من خلال حوار مزعوم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وذلك بعد تراجع الرئيس بري عن مبادرته ودعوته إلى حوار السبعة أيام تليه جلسات انتخابات متتالية، والذي رفضته القوى المسيحية الأساسية والمعارضة المتمسّكة بوجوب التوجه الفوري نحو الانتخاب الديمقراطي لرئيس الجمهورية دون المرور بمحطات حوارية تراها مبتذلة، ومضيعة للوقت، ومن خارج الدستور.

هكذا نحن أمام (٥ – ٢) ومع عدم تأثير مصر القوي في ملف الرئاسة اللبنانية أصبحنا في (٥ – ٣)، أي لم يبقَ من هذه المجموعة الخماسية من أطراف مؤثرة فعلياً سوى الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومن خارجها إيران، وهو ما يشير إلى أن مفتاح الحل الرئاسي وصفقات البيع والشراء والإيجار ربما والتسوية سيكون محصوراً بشكل رئيسي بين هذه الأطراف الثلاثة بصرف النظر عن إعادة تعويم الدورين الفرنسي والقطري أو تنشيط ما للدور المصري كعوامل مساعدة على إخراج لبنان من أزماته التي تبدأ في عملية إيجاد الحلول ولا تنتهي بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة يفترض أن تكون قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية والمطلوبة.

من المعيب هذا التلاعب بمصير لبنان الوطن والشعب ومواقع الدولة الدستورية حتى غدت الرئاسة في لبنان كرة نار تتقاذفها الأقدام بين لاعبين محليين ودوليين في مباراة مجنونة اجتمع فيها المشاركون على تمزيق شباك لبنان وأمانه الاجتماعي طوال عام من الفراغ الرئاسي الذي استعرّت فيه نيران الإنهيار النقدي والمالي واجتياح النازحين السوريين الذي فاق كل التصوّرات وقدرة لبنان على التحمّل في حين يستمر السعي الحثيث والمؤامرة المكشوفة في تهجير شباب لبنان وأجياله الصاعدة ومعهم مستقبل بلاد الأرز الذي لم يبق منه إلا بعض ذكريات جميلة وخيبات أكثر وآمال ضائعة في منتصف الميدان.

ينطبق على هؤلاء اللاعبين والمتلاعبين مِن المقامرين فوق بساط لبنان الأخضر، والعابثين بيوميات اللبناني البسيط والعامل الكادح لأدنى مقومات العيش الكريم، ومَن غلّف أحلام المواطن وصحة عائلته وأولاده بأطنان النفايات المنتشرة من شمال لبنان إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، قول الفيلسوف والروائي الروسي فيودور دوستويفسكي: «اطمئنوا الجحيم يتسع للجميع، فالأمر لا يستحق كل هذه المنافسة الشرسة على من سيكون الأسوأ فيكم». وينطبق على لبنان ما قاله الأديب الفرنسي فيكتور هوغو في رواية «البؤساء»: «ثمّة لحظات تكون فيها الروح جاثية على ركبتيها مهما كان وضع الجسد».