خرق أمني كبير في إيران يحققه «داعش» في مبنى البرلمان وقبر الخميني. ليست طهران أكثر مناعة من مدن شرقية وغربية طاولها التنظيم الإرهابي، ولم يشفع لها سلوكها السياسي والعسكري في المنطقة والعالم. وإذا كان للجمهورية الإسلامية مرشدها فإن لـ «الدولة الإسلامية» «خليفتها»، وكلاهما ينسب إلى نفسه قيادة المسلمين في العالم وتوجيههم وفق ما يعتبره تطبيقاً للشريعة، بالترغيب والترهيب.
وليس المرشد و»الخليفة» وحدهما من يدّعي قيادة الشعوب الإسلامية متجاوزاً الجغرافيا المتباعدة والأنظمة السياسية المختلفة والحضارات واللغات المتنوعة. هناك أيضاً «مرشد القاعدة» أيمن الظواهري، و»مرشد الإخوان» المسلمين الذي يشغل منصبه عملياً الشيخ يوسف القرضاوي المقيم في الدوحة (كنا نظنه ضيفاً فإذا هو شريك في حكم دولة ومحرّض على انفصالها عن محيطها الأهلي، نعني دول الخليج العربي). ولا ننسى شاغلاً آخر لمنصب «مرشد الإخوان» هو الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي لا يحتاج إلى استضافة القرضاوي أو من يشبهه، فهو يستند إلى التاريخ العثماني السابق لحسن البنا، وبالتالي فهو يلحق «الإخوان» بعثمانيته ويقودهم، لكونه أكبر من تنظيمهم «الطارئ» الحافل بالمتناقضات.
لن يجد حكام قطر حلاً لمشكلتهم سوى في العودة إلى البيت الخليجي، مكانهم الطبيعي في الماضي والحاضر والمستقبل، ويتم ذلك بترك وظيفة قناع مرشد «الإخوان». لقد كان لافتاً أن أمير قطر كان يستقبل الشيخ القرضاوي في وقت صدور بيان الأزهر الداعي إلى «مقاطعة الأنظمة التي تدعم الإرهاب وتؤوي كيانات العنف وجماعات التطرف وتتدخل بشكل سافر في شؤون الدول المجاورة واستقرارها وأمن شعبها». هذا المشهد يعني أن المشكلة ستطول.
وإذا كان حكام قطر يفضّلون رؤية دولتهم بمنظار التمدُّن الغربي، فليتعاملوا مع عضويتهم في مجلس التعاون الخليجي بمثل ما تتعامل الدول الأوروبية مع كيانها الاتحادي الجامع، تتساوى في ذلك دولة كبيرة مثل فرنسا ودولة صغيرة مثل اللوكسمبورغ. فعلى رغم وجود مناصب تنفيذية لـ «الاتحاد الأوروبي» وبرلمان منتخب خاص به، نلاحظ أن أي دولة عضو في الاتحاد لا تتخذ قرارات في سياستها الخارجية تؤذي مصالح دولة أو أكثر في ذلك الاتحاد. الواقع أن قطر، العضو المؤسس والفاعل في مجلس التعاون الخليجي تتلقى منذ سنوات رسائل مباشرة وغير مباشرة من دول المجلس الشقيقة تنتقد تعاونها مع دول ومنظمات لا تضمر الخير للخليج دولاً ومجتمعات، كما تنتقد اعتمادها إعلاماً يحرض على الفوضى وتقويض أنظمة دول صديقة، وصولاً إلى دعمها منظمات عقائدية مسلحة في العالم على حساب مصالح شركائها الخليجيين. ولما كانت تلك المنظمات تحمل شعار الإسلام فهي تلحق الأذى بالدين الذي ينتمي إليه سكان دول المجلس، ومن أرضهم، أرض الحرمين، انطلق إلى العالم.
أزمة قطر صعبة الحل إذا رآها القطريون بمنظار شخصي وحساسية تجاه ذوي القربى، لكنها تبدو سهلة الحل إذا اعتمدت الدوحة نقداً ذاتياً، وتنبهت إلى الأذى الذي يلحق بها حين تصرف إمكاناتها إلى وظيفة منبر «مرشد الإخوان» وقبضته الضاربة في القريب والبعيد. بهذا تكون الأزمة مناسبة لعودة قطر إلى نفسها وإلى بيئتها الطبيعية، انطلاقاً، على الأقل، من التشبُّه بمراعاة المصالح بين دول الاتحاد الأوروبي التي طالما انخرطت في حروب ثنائية وأحياناً عالمية. هنا يبدو مجلس التعاون كياناً جامعاً لدول وشعوب متقاربة أكثر من «الاتحاد الأوروبي» أو أي كيان إقليمي آخر في العالم. وبالتالي في إمكان قطر الفخر بمراعاة مصالح شركائها في المجلس حين تدرس النتائج المتوقعة من إقامة علاقة خارجية مع دولة أو منظمة. ذلك مدعاة لتأكيد التضامن وليس علامة خضوع كما يوسوس أهل السوء.
فلتعد قطر إلى نفسها لئلا تزداد الأزمة تعقيداً فتغري أهل السوء بما هو أخطر من الوسوسة.