أن تضجّ وسائل الإعلام بثلاث وعشرين حقيبة تحوي نصف مليار دولار في مطار بغداد أرسلتها لدعم «الحشد الشيعي» العراقي، ليس بأمرٍ جديد على قطر، ربما بفعل ازدحام ذاكرة المواطن العربي بالمصائب نسي اليوم الدور الذي لعبته قطر وموّلت به الانقسام الفلسطيني الذي تلاه انقلاب وتأسيس دولة حماس في غزّة، لم ينسَ اللبنانيّون بالتأكيد الدور السيىء الذي لعبته قطر في دعم حزب الله وتمويله في حرب تموز العام 2006 وبعدها، والشعبين المصري والقطري يعرفان الدور الصهيوني الذي لعبته قطر منذ تأسيسها لقناة الجزيرة لغاية واحدة هي ضرب استقرار هذه الدول لمصلحة الكيان الإسرائيلي، ولاحقاً من ينسى دور قطر في وصول إخوان الإرهاب إلى السلطة في مصر، من يستطيع أن ينسى انتزاع القرضاوي المشهد والمنصة في ميدان التحرير عقب ثورة يناير آتياً من قطر وإماماً في صلاة الجمعة من ميدان التحرير، يومها غاب الأزهر وحضر القرضاوي، ومن ينسى الدّور الذي شاءت أن تلعبه قطر في لبنان بُعيد أزمة النفايات وتمويلها لقناتين لبنانيتين مهمتهما الإيحاء بأن الثورات العربية امتدت إلى لبنان، ولكن لطف الله بنا وفشل المخطط القطري…
الآن للأسف استيقظ عرب الخليج على دور قطر في دعم الإرهاب، مع أننا حذّرنا من هذا الدور منذ سنوات، ونتمنّى أن لا يقوموا بمنح حليفة إيران فرصة جديدة للسعي في تدمير المنطقة، عليهم دائماً أن يتذكروا عرض الثلاثة مليارات دولار الذي قدّمته قطر لإخوان مصر مقابل وضع يدها على قناة السويس تلك «الحالة المرضية» التي تسعى فيها دولة بحجم النملة أن تسيطر على الدول الكبرى، لأنّها تعتقد فقط أنّها بمالها تشتري العالم، ولأنها لا تفقه أن الدول ليست بحجمها ولكن بشعوبها وآثارها في الحضارة!
عندما يوصّف اللواء محمود منصور مؤسس المخابرات القطرية حال قطر بقوله «إن قطر فقدت عقلها» وانّ إيران التي استطاعت التغلغل إلى بعض البلاد العربية احتاجت لقوة عربية لإدخالها أكثر وأكثر ضمن النسيج العربي، فاتجهت إلى «صديقتها التي فقدت عقلها قطر»، وأن تحذّر مجلة «نيوزويك» في تقرير نشرته من خطورة وجود قاعدة العديد العسكرية الأميركية في قطر على أساس أنه يعطي إشارة تطمين للدوحة بالاستمرار في ممارستها في مساندة الإرهاب، وبعلاقات مميزة تربطها بقادة كبار في تنظيم طالبان الباكستاني الذي رعى تفرّع تنظيم القاعدة منه، سيما المفرج عنهم من سجن غوانتانامو في صفقة الإفراج عن الجندي الأميركي بو برغدال!
ترك العرب قطر خنجراً في خاصرة الخليج العربي رغم معرفتهم بدورها الإيراني ـ الإسرائيلي، غضّوا النظر في أحيان كثيرة عن كثير مما يعرفونه عن أدوار قطر ومكائدها للعرب والمسلمين وتآمرها عليهم من أعدائهم، والمؤسف فيما يحدث اليوم أن هذه الاندفاعة في فضح الدور القطري وملابساته قد تفرملها زيارة من أمير قطر إلى السعودية يعتذر فيها عن تصريحاته التي حاول بنفيها أن يؤخّر هبوب العاصفة على دور مشيخة قطر، نتخوف من هذه الفرملة لأنها إبقاء للخنجر القطري في خاصرة الخليج الرّخوة!
يكشف أسرار الدور القطري في أحداث المنطقة، ها هو كتاب «قطر … الصديق الذي يريد بنا شرّا» كتاب فرنسي صدر العام 2013، ننصح بقراءته لمعرفة خفايا الدّور العربي في المنطقة منذ العام 2006، سبقه كتاب آخر في الصدور بأسابيع قليلة حمل عنوان «قطر… أسرار الخزنة»، وبالرغم من الكثير الذي كشفه الكتابان نقول إن ما خفي هو أعظم، وأنّ التاريخ كفيل بكشف الدور القطري في التحالف الإيراني ـ الإسرائيلي لزعزعة أمن واستقرار دول العالم العربي وبعثرة شعوبها.