IMLebanon

قطر.. كلمة حقّ  

تداعيات الزلزال الديبلوماسي الذي أطاح بالأمس بمشيخة قطر وحاصرها برّاً وبحراً وجواً نظنّ أن تداعياته ستنحصر فقط بقطر وجماعة الإخوان المسلمين وجبهة النصرة «مهما غيّرت أسماءها»، كان الحسم مع قطر أجدى منذ عقدين من الزمن ويزيد، لم يكن هناك من داعٍ من ترك ملفٍّ لها من هنا وآخر من هناك، ومن المؤسف أنّه تُرك المجال لدولة  صغرى جدّاً أن تناطح أكبر دولتيْن عربيّتين في المنطقة هما مصر والسعوديّة ومع هذا الخطأ ليس خطأ قطر لوحدها، ولا ما ارتكبته قامت به بعيداً عن غضّ نظرٍ سعوديّ جعل تآمرها يستفحل إلى حدّ باتت فيه تشكلّ خطراً على الأمن القومي الخليجي والعربي عبر أدواتها التآمرية من حزب الله إلى حماس والحوثيّين والقاعدة والنصرة وسواها من التنظيمات الإرهابيّة!

«القاعدة» وإن تحوّلت في مرحلة ما إلى أداة قطريّة إلا أنّها في الأصل والمنشأ «طالبانيّة» ورثت ما اصطلح على تسميته بالأفغانيين العرب، وهؤلاء سعودي ـ أميركيّ النشأة والتمويل والفكر، ولا تحتاج قطر إلى التمسّح بالفكر الوهّابي أو يبحث أميرها عن نسبٍ يربطه بالشيخ محمّد بن عبد الوهّاب، هذا الفكر هو سبب نشوء تيارات متطرّفة تكفيريّة ولا يزال ولن تنتصر محاولات الإصلاح في هذه الأمّة ما لم تقصي المملكة العربيّة السعوديّة أصحاب هذا الفكر المظلم المتطرّف عن مؤسساتها الدينيّة، وإن كان هؤلاء يشكّلون داخل بنيانها العقلي والديني «الدولة العميقة»!

عندما أطبقت إيران يدها على لبنان بعد حرب تموز العام 2006، تبختر أمير قطر في ضاحية بيروت الجنوبيّة وهو يشاهد آثار القنابل الإسرائيليّة التي نقلت من قاعدة العديد في قطر إلى إسرائيل لتسقط على رؤوس الأبرياء في الضاحية، وعندما انهزمت سياسة السعودية في بيروت بُعيد 7 أيار العام 2008 تمّ تسليم الملفّ اللبناني لقطر فكان اتفاق الدوحة، وظلّ هذا الملفّ ضائعاً بين الأيدي يدفع ثمن الأخطاء السعوديّة المتكرّرة حتى إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى على باب البيت الأبيض، وهذا الخطأ كرّرته السعوديّة مرّة ثانية فتركت الملفّ السوري لليد القطريّة تعبث به فولدت جبهة النصرة وسواها من التنظيمات الإرهابيّة تحت عنوان الثورة السوريّة التي لم تجد حتى جبهة معارضة تمثّلها إلا بالإكراه!

من يتذكّر اليوم الدّور الذي لعبته قطر لإطلاق سراح جنود الجيش اللبناني المختطفين من عرسال، كانت هي المفاوض الموكّل والحقيقي عن جبهة النصرة، من يتذكّر اليوم مختطفي أعزاز، ظلّ الملف السوري ألعوبة دمويّة في اليد القطريّة وصولاً إلى ظهور داعش، ولم يجرِ سحب هذا الملف من اليد القطرية إلا بعد ضغوط أميركيّة ظنّ معها كثيرون أنّه عاد إلى اليد السعوديّة، والحقيقة لم تكن كذلك وما انتهاء جنيڤ إلى محادثات آستانة إلا دليلٌ على التحكم القطري بالريموت كونترول بالملفّ السوري الدموي.

قطر دولة راعية للإرهاب بكلّ معنى الكلمة، ولكن كلمة حقّ تقال، إنّ السياسة السعودية التي انكفأت عن المنطقة وتركتها لإيران هي التي ساهمت في استفحال دور قطر إلى حدّ هدّدت معه أمن دول عربيّة كبرى مثل مصر وجعلت دولة مثل قطر تفكّر في شراء قناة السويس التي حفرها الشعب المصري بدمائه ودموعه لتجري مياهها الدولية في زمن الاحتلال الفرنسي ثم البريطاني، إنّ الانقسام السياسي الذي عاشته السعوديّة في مرحلة الراحل الملك عبدالله ما زالت المملكة ودول عربيّة كثيرة تدفع ثمنه حتى اليوم وبينها لبنان، والصراع الذي شرذم المنطقة بين تيار بندر بن عبدالعزيز وعبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز وزيارات الأخير ووساطاته مع بشار الأسد أوصلت المملكة إلى تهديد إيران لحدودها مع اليمن فكانت «عاصفة الحزم»، وهي التي أوصلت قطر لأن تكون شوكة في حلق العرب لا في خاصرتهم فقط، ومع هذا أخيراً استجمعت السعوديّة أمرها وضربت بقبضتها الطاولة، وبالرغم من أنها تأخرت كثيراً إلا أنّها حسناً فعلت لأنّ سياسة المداراة والاستيعاب لا تنفع مع إيران وحلفائها فوق أو تحت الطاولة، وبشّار الأسد مثالٌ حيٌّ صارخ على ذلك!

يبقى أنّ المتضرريْن الأكبريْن من الحصار العربي لقطر لأنها ذراعهما وأداتهما في المنطقة العربيّة وهما إيران أوّلاً وعلى مستويات متعددة وبصرف النظر عن الخلاف في النظرة للملف السوري، وتركيا ثانياً للدورالذي تلعبه قطر في تمويل الإخوان وتنفيذ مخططاتهم الإرهابيّة لزعزعة أمن مصر وهنا لا يخفى الدور الذي تلعبه تركيا في ضرب مكانة مصر وأمنها خصوصاً وأنّ تركيا هي رأس تنظيم الإخوان العالمي والذي تفرّعت وتشعبّت منه كلّ التنظيمات الإرهابيّة في العالم من القاعدة وصولاً إلى داعش!

ميرڤت سيوفي