IMLebanon

عفواً سعادة السفير الإستحقاق الرئاسي أكثر من إستحقاق لبناني

 

لن يكون الموفد القطري جاسم آل ثاني أسعد حظاً من سلفه الفرنسي جان إيف لودريان الذي اضّطر للإنسحاب حفاظاً على نذر يسير من كرامة جمهورية مرت من هنا.  كل المبادرات الرئاسية تقود الى قعر الدوامة اللبنانية حيث اعتاد سياسيو لبنان أن يأخذوا استراحتهم بين رئاسة جمهورية وأخرى، وعند تشكيل كل حكومة جديدة، وعند كل استدعاء أو ربما إشارة يتلمسون من خلالها ما يعيد إنتاجهم.

المناسبات إياها هي فرص متاحة أمام أصحاب الكتل والمقامات والمقاومات السياسية لاستدراج العروض من الوسطاء المتعدّدي الألقاب والجنسيات، بما يجدّد صلاحية العمل لدوائر نفوذهم واستثماراتهم المحلية وامتداداتهم الإقليمية لست سنوات جديدة، مقابل تحرير شكلي ومشروط لرئاسة محكوم عليها أن تعيش في قمقم قبل أن تولد. بهذه الشروط تصبح الوساطة الجديدة محكومة بالسقوط وينهي الشغور الرئاسي عامه الأول.

يحضر الموفد القطري الى بيروت مزوداً بنجاح حققته حكومته في العام 2008 عبر إتّفاق يريد تكراره. إمكانية النجاح من الناحية النظرية يجب أن تكون متاحة على جغرافيا لم تتغيّر، ومع فرقاء سياسيين لم يتغيروا ولم تتبدل أهدافهم التي يختصرها طموح لتعزيز الأدوار في الحكم والشأن العام ومزيداً من الإمساك بمفاصل الدولة ومقدّراتها. ضمن هذه المعطيات يصبح الخلاف موضوعاً حسابياً يمكن لدولة مقتدرة كقطر إنجاز موازينه وتسوياته الدفترية  خلال أيام معدودة، ويصبح انتخاب الرئيس على قاب قوسين أو أدنى. ما لم يأخذه الموفد القطري بعين الإعتبار هو الإختلال الشاسع الذي أحدثه اتّفاق الدوحة وما تلاه من ظروف إقليمية بين قدرات الفريقين طرفيّ الإتّفاق في حينه.

إتّفاق الدوحة الذي أُنجز في 21 أيار/مايو 2008 أتى بعد ثلاثة أعوام على انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان/ إبريل 2005، وبعد عامين من دخول الجيش اللبناني الى الجنوب للمرة الأولى في 14 آب/ أغسطس 2006 تطبيقاً للدستور ولقرار مجلس الأمن رقم 1701، وبعد عام على انتصار الجيش اللبناني على تنظيم فتح الإسلام في مخيم نهر البارد بتاريخ 2 أيلول /سبتمبر 2007 وإنهاء الحالة الإرهابية التي استُقدمت من سوريا لإقامة إمارة إسلامية في شمال لبنان.

الإتّفاق أتى في حينه لتثبيت تسوية سياسية بين أكثرية نيابية لها بعدها الشعبي وانفتاحها الإقليمي والدولي وأقلية نيابية لها تحالفاتها الإقليمية في كلّ من سوريا وإيران بعد غزوة عسكرية لمسلحي حزب الله في 7 أيار/ مايو واحتلال العاصمة بيروت، وبعد تعطيل جلسة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية لمرات عديدة وتعذّر فرض إنتخاب مرشح خلافاً لرأي الأكثرية النيابية لملء شغور بدأ في 23 نوفمبر/تشرين الثاني2007.

إرتكزت تسوية الدوحة على معادلة استبدال فائض القوة لحزب الله بمكاسب في الحكومة والحقائب الوزارية خلافاً للدستور. إرتضت الأكثرية النيابية تلك التسوية تحت شعار  أولوية الحفاظ على الإستقرار بضمانة إقليمية، وتوهم القدرة على الإمساك بزمام الحكم واستقلالية السلطة التنفيذية وكبح مفاعيل السلاح واستيعابه. لكن ما آلت إليه التسوية كان الرضوخ لإرادة السلاح ولعمليات متتالية في ابتزاز السلطة أدت الى تعطيل تشكيل الحكومات، وامتدت مفاعيلها فساداً وإفساداً في الإدارات على اختلافها لتتحوّل الى موارد للمال السياسي، وليصبح إتّفاق الدوحة هو الحاضن لصراع الدولة والدويلة.

ما يجب أن يعلمه الموفد القطري أن السلاح  الذي استدرج لبنان الى اتّفاق الدوحة قد خرج بعد العام 2012 الى ساحات القتال في سوريا والعراق واليمن، وتحوّل هدفه من الإمساك بالسلطة المحلية الى طموح إقليمي بعد أن أُوكلت إليه مهمة إنقاذ الرئيس بشار الأسد والحفاظ على النظام المترنح في سوريا، وبعد أن اختارت طهران منازلة المملكة العربية السعودية على حدودها الجنوبية وتهديد أمن الخليج العربي وثرواته البترولية، وبعد أن اقتضى مشروع تصدير الثورة تدمير المؤسسات الدستورية في العراق وسلب مقدراته الإقتصادية في أكبر عملية فساد منظم منذ فجر التاريخ. ناهيك طبعاً بشبكات غسل الأموال وتجارة الممنوعات والتعبئة المذهبية المتطرفة التي نمت في أكثر من بلد عربي وامتدت الى أوروبا وأميركا الجنوبية.

شبكات المكاسب هذه هي في مواقع القرار في أكثر من جمهورية وهي عصيّة على التفاوض ولها أثمانها، وبالطبع فإن الإجابة على كل ذلك ليست في متناول من سيفاوضهم جاسم آل ثاني في بيروت. بعد كل هذا هل يقتنع الموفد القطري أن الإشكالية تتجاوز إصرار فريق سياسي على مرشحه، وأن الحل لا يكمن في البحث عن مرشح لا يثير حساسية أي فريق، أو في توسيع دائرة المرشحين؟

لقد إقتضت تسوية الدوحة جملة من الأعراف المخالفة للدستور والقانون من أجل استيعاب سلاح محلي تديره إيران، وقد أدى الإستمرار بها الى تدمير لبنان بعد تسوية أوصلت العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، وهذا ما يريد حزب الله تكراره. فما هي الأثمان المطلوبة لكبح جماح سلاح له أدواره الإقليمية؟ وما هي قدرة الموفد القطري على ترشيقه وإدخاله في عنق الزجاجة اللبنانية؟ ومن يتحمل تبعاتها؟

بعد كل ذلك هل يمكن التسليم بمقولة «أنّ الإستحقاق الرئاسي هو شأن لبناني داخلي وأنّ اللبنانيين قادرون على تحمّل مسؤوليتهم وإنجاز الإستحقاق؟».