من إسطنبول حيث مثل لبنان في القمة الإسلامية الثالثة عشرة، الى بيروت حيث استقبل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أتيح لرئيس الحكومة تمام سلام إجراء إطلالة لبنانية على عدد من دول الخليج النافذة، فضلا عن إطلالة أوروبية من الباب الفرنسي، شكلت مناسبة جيدة لسلام لعرض الوضع اللبناني والمخاطر المحدقة به من أكثر من جانب سياسي وأمني واقتصادي- اجتماعي نتيجة أزمة اللاجئين السوريين.
لم يتسنّ لرئيس الحكومة لقاء العاهل السعودي إلا دقائق قليلة وقوفاً، وذلك في إطار مصافحته على هامش الجلسة الافتتاحية للقمة. لكن تلك الدقائق كانت كافية ليتلمس أن الودّ لا يزال مقروناً بالعتب. وقد اغتنم رئيس الحكومة المناسبة لتجديد التعبير عن المكانة الخاصة للمملكة لدى اللبنانيين، حكومة وشعباً، طالباً استمرار الدعم وعدم التخلي عن لبنان، ذلك أن ما حصل ليس سوى غيمة عابرة يجب ألا تؤثر على العلاقات بين البلدين، والتي يحرص لبنان على أن تكون في أحسن حالها.
لم تكف تلك الدقائق سلام ليثير مسألة الهبة، مما حال كذلك دون إثارتها مع الرئيس الفرنسي التي تتولى بلاده تنفيذها، علما أن هذا الموضوع لم يخرج عن إطار البحث مع هولاند.
وفيما آثر رئيس الحكومة عدم عقد أي لقاءات من شأنها أن تثير حساسيات في الوسط العربي، أعرب عن ارتياحه الى اللقاءين اللذين عقدهما مع كل من أمير الكويت صباح الأحمد جابر الصباح وأمير قطر تميم بن حمد بن خليفة.
في اللقاءين، سمع رئيس الحكومة كلاما وديا جداً حيال لبنان، كما سمع تفهماً واضحاً حيال ظروفه والحساسية ودقة الموقف اللبناني وحراجته. وكان لكل من الأميرين تعبيره بأسلوبه عن الدعم المستمر للبنان.
حتى وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد بن محمد لم يخف محبته للبنان، وبلغ به الامر أن يصفه أمام الصحافيين اللبنانيين بأنه هوليوود، آملاً أن يستعيد استقراره وأمنه. وهو كان تواصل مع رئيس الحكومة معربا عن ارتياحه الى كلمته أمام القمة.
وتجدر الإشارة الى أن سلام كان أعد كلمة عالية النبرة، ولا سيما حيال إدانة ايران، لكنه عاد فعدّل بمضمونها التزاما لسقف كلمات قادة الدول الخليجية، ولا سيما الملك سلمان الذي لم يبتعد عن تسمية طهران.
إضافة الى ذلك، خَص الرئيس التركي رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة باهتمام من خلال اللقاء الخاص الذي جمعه به الى جانب الوفد الوزاري المرافق، معربا عن استعداد أنقره للدعم في كل المجالات، ومسمّيا أربعة منها هي المجالات الثقافية والسياسية والعسكرية والاقتصادية. حتى انه أبدى استعدادا للمساعدة في ملف النفايات إذا لزم الأمر.
كل هذا يقود الى خلاصة خرج بها سلام من لقاءاته في اسطنبول، مفادها أنه لا يزال هناك مساحة للتواصل، وان نسبة الانزعاج لم تعد كما كانت في عز الأزمة، وان الطريق غير مقفل بالكامل. لكن هذا لا يعني أنه ليس على لبنان بذل الكثير من الجهود والضغط من أجل استعادة موقعه الطبيعي والتقليدي في محيطه العربي. وهذا لم يحصل بعد.
وليس لأن اللقاء مع الملك سلمان لم يحصل، يمكن القول إن الوضع لا يزال على حاله، ذلك أن سلمان لم يعقد أي لقاءات ثنائية على هامش القمة، بل ألقى كلمته وغادر اسطنبول.
في المحصلة، تجاوز لبنان قطوع القمة الاسلامية وخرج منها سالما بأقل الأضرار، فجاء البيان الختامي الذي التزم فيه لبنان ادانة ايران وتحفظ عن إدانة “حزب الله”، ولم يخرج عن سقف المواقف العربية، مقبولا في الوسط العربي.
وعليه، يعود سلام الى الملفات الداخلية، فيترأس بعد ظهر اليوم جلسة مجلس الوزراء، وبندها الأول جهاز أمن الدولة، من دون أي معلومات عن التوصل الى تفاهم في شأنه.
والمفارقة أن البند المطروح يقترح إنشاء مجلس قيادة ويطرح آلية التعيين، وطريقة إصداره بمرسوم أو قانون، وعدد أعضاء المجلس وتوزيعهم، فيما الخلاف في مكان آخر بما أن مجلس القيادة لا يحل النزاع على الصلاحيات!