IMLebanon

تحالف رباعي… حتى رئاسة عون

كلام في السياسة | 

تتسع بسمة القطب المسيحي الآذاري، حتى تبلغ الضحكة أو حتى القهقهة، وهو يستعرض أحوال القوى المسيحية الكبرى في تحالفاتها. ففي القلب والذهن شيء من «اللهم لا شماتة»، حيال ما يحصل بين عون والثنائية الشيعية، تماماً كما بين سمير جعجع وتيار المستقبل والفريق الحريري.

بتلك البسمة العريضة نفسها، يبدأ الآذاري المسيحي قراءته مع سؤال استنكاري: إذاً نحن من يتحمل مسؤولية وذنب وخطأ وخطيئة تفويت لحظة السيادة والاستقلال قبل عشرة أعوام؟ نحن من ارتكب جريمة إهدار لحظة عام 2005؟ ولماذا؟ لأننا قبلنا يومها ما فرض علينا فرضاً، وبرعاية خارجية جامعة، تحت عنوان «التحالف الرباعي»؟ حسناً، فلندقق في الأحكام الصادرة وفي المعادلات والسياقات، ولنقارنها مع ما هو حاصل اليوم، لا بل منذ عام 2005 وحتى اليوم، ولنحكم أو نحتكم.

سنة 2005، نعم قبلنا نحن كمسيحيين سياديين وطنيين، بالتحالف الرباعي. لكن، أولاً، لا ننسى أن ذلك الاتفاق كان برعاية فرنسية إيرانية، مع مباركة أميركية سعودية من خلف باريس وطهران. وبالتالي، كانت موازين القوى ساحقة، فيما كنا نتلمس طريقنا الدامية في مواجهة نظام الوصاية المتفلت لحظتها من كل ضابط أو ضوابط. ثانياً، لا ننسى أيضاً، أن ما فاقم تلك الموازين، أننا كنا مجموعة شخصيات مستقلة. فيما كانت القيادات الأساسية للمسيحيين خارج المشهد. ميشال عون كان لا يزال في المنفى. وسمير جعجع كان لا يزال في السجن. كنا بالتالي وحدنا، في مواجهة نصاب قيادي سني وشيعي مكتمل. لا بل معزز بشرعية الدم من جهة الفريق الحريري، وبشرعية التناغم بين إيران محمد خاتمي يومها، وبين أوروبا ومعظم الغرب… فيما نحن وحدنا عزل. ثم ثالثاً والأهم، أننا في مواجهة موازين القوى تلك، ورغم اختلالها الفاضح، تمكنا من جعل التحالف الرباعي، على سوئه، طريقاً استخلصت للبلد ودولته وميثاقه، إيجابيتين اثنتين: أولاً، ضمان انسحاب الجيش السوري من لبنان. وثانياً، نزع فتيل الصدام السني الشيعي يومها، على خلفية زج دم رفيق الحريري في مواجهة انتخابية بين الطرفين…

رغم تلك الاعتبارات كافة، ظللنا طوال عقد كامل نتهم بأننا مرتكبو التحالف الرباعي. وظللنا كل يوم نعيّر، بأننا لم نتقن قيادة المسيحيين. لأن وزننا وحجمنا وتمثيلنا وقاماتنا… كل ذلك لا يسمح لنا بالقيادة. ولا يسمح لنا خصوصاً بالتعامل مع القيادات السنية والشيعية من موقع المرجعية المسيحية، وبالتالي على قاعدة الند للند.

مرت الأعوام. عاد خلالها العماد عون من المنفى. وخرج الدكتور جعجع من السجن. عقد الأخير حلفه مع الفريق الحريري، ثم ذهب الأول إلى تفاهمه الاستراتيجي مع حزب الله. فكيف تبدل المشهد؟ لا بل فلنقرأ الواقع كما هو: كم تحالفاً رباعياً تم إمراره، في ظل وجود المرجعيات المسيحية كاملة، وفي ظل أي موازين قوى، ومقابل أي عائد وبأي كلفة؟

يفتح الآذاري المسيحي دفاتر ذاكرته ويقوم بجردة سريعة: سقط التحالف الرباعي عملياً بين خروج الوزراء الشيعة من حكومة السنيورة في كانون الأول 2006، وبين 7 أيار 2008. بعدها، ألم يكن اتفاق الدوحة تحالفاً رباعياً، بلا مسيحي ولا مكسب وطني؟ ألم يكن انتخاب ميشال سليمان كذلك؟ بعدها، ألم يكن تعطيل منجم الغاز اللبناني نتيجة تحالف رباعي، بالشروط والمواصفات نفسها؟ ولاحقاً، ألم يكن التمديد للمجلس النيابي مرتين متتاليتين، وليد تحالف رباعي مرة أخرى؟ وبينهما، ألم يكن إجهاض أي قانون انتخابي عادل بالمفهوم الميثاقي، فعل تحالف رباعي معلن أو مستتر لا فرق؟

وصولاً إلى اللحظة الراهنة، يتابع الآذاري المسيحي، تعليق الرئاسة وتعطيل الحكومة أو تشغيلها، وإقفال المجلس النيابي أو فتحه، بما يحضر على جدول أعماله أو يغيب، أليس ذلك كله من فعل تحالف رباعي، في حضور المرجعيات المسيحية الفاعلة، وفي ظل تحالف كل منها مع طرف من أطراف «الرباعي» المذكور، ومن دون أي عائد وطني، وبكلفة مسيحية متفاقمة وبثمن ميثاقي يكاد يصير مصيرياً؟!

تتسع بسمة الآذاري المسيحي أكثر، حين يختم جردته… جردة يمكن مناقشتها في كل كلمة منها ودليل سياق وإسقاط. ويمكن عزو كل قراءتها وكل تحليلها إلى دوافع شخصية من نوع «التمريك» أو تسجيل النقاط أو ردها. ويمكن دحض كل ما فيها، بجردة مقابلة من مكتسبات وإيجابيات وطروحات محققة في الأعوام الماضية مسيحياً ووطنياً. لكنها جردة تظل صالحة للطرح برسم القوى المسيحية الرئيسية. وخصوصاً للطرح برسم حلفاء كل منها. جردة يمكن إسقاطها بخطوة من هذه: إما بخروج الفريق الحريري من قبضة الفيتو السعودي، بالإقناع لا بالتمرد طبعاً. وإما بإنهاء هذا التجاذب الكامن والممض بين عين التينة والرابية، بشكل جذري ونهائي. وإما بعبور بات ضرورياً لعون وجعجع، من خانة إعلان النوايا، إلى موقع ربح القضايا، بقانون انتخاب موحد، أو بانتخاب عون رئيساً… فيكفي كل المؤمنين شرور كل التحالفات المضلعة!