من الطبيعي ان تعلو بعض الأصوات في مواجهة حركة الرئيس سعد الحريري الذي أفاد من شهر رمضان المبارك، لاطلاق أوسع حملة تلاقٍ مع الناس وجهاً لوجه، بعد قطيعة قسرية لسنوات عديدة.. لكن ما ليس من الطبيعي ان عدداً لا بأس به من هذه الأصوات التي كسرت كل المحرمات، قدمت نفسها وكأنها الأكثر وفاء وائتماناً على »تراث الرئيس الشهيد رفيق الحريري« السياسي وغير السياسي.. وفي الواقع لم تكن هذه الأصوات سوى الأكثر إفادة من المرحلة السابقة للوصول الى ما وصلت اليه..
ليس من شك في ان زيارات الحريري الى المناطق، خصوصاً الى البقاع والشمال، حركت وجدان كثيرين، وكان لها في بعض المواقع آثار ايجابية في اعادة لملمة »تيار المستقبل« الذي يقر بعض قيادييه بالأمر الواقع الذي أخذ شكل »الاعتكاف«، و»ادارة الظهر«، على نحو ما تظهّر ذلك في الانتخابات البلدية الأخيرة، خصوصاً أكثر في بيروت وطرابلس، وترجم بعدم التوجه الى صناديق الاقتراع..
من المبالغة التسليم بأن حجم حضور الافطارات التي أقيمت، كاف ليؤكد ان »المستقبل« استعاد عافيته وحجمه وشعبيته (كما قبل سنوات).. وان الدور الذي ينتظره موقوف على قرار من قيادته.. والجميع يقر، بأن الاعداد للمؤتمر العام مطلع تشرين الاول المقبل، ووضع برامج عمل وخطط مستقبلية وتنفيذها يحتاج الى الوقت الكافي.. على رغم ان »خيار التواصل المباشر مع الناس، والانفتاح على الجميع، وطي صفحة العديد من الخلافات، شكل مادة خصبة في الحوارات الشعبية.. لكن في المقابل، وعلى ما يقول القيادي في »المستقبل« مصطفى علوش »هناك شعور بالظلم وعدم الأمان«.
في قراءة عديدين، ان زيارات الحريري الى المناطق، رسالة، بل هي خطوة أولى من المقرر ان تتبعها خطوات من شأنها ان تساعد على استعادة »تيار المستقبل« المبادرة، خصوصاً ان »شعبيته الخام« ماتزال قائمة وهي مؤهلة اذا ما توافرت لها الظروف والمعطيات المطلوبة ان تنهض ويكون لها دور مؤثر وبالغ الأهمية مستقبلاً..
المسألة ليست »كن فيكون« وهي تحتاج الى مزيد من الوقت ومزيد من الجهد والمزيد من تعزيز هذه الشعبوية بثقافة سياسية تتناغم و»الحريرية الوطنية« لا المذهبية ولا الطائفية.. ولعل هذا ما أشعل غضب البعض، ومنهم النائب خالد الضاهر، الذي هاله كيف يدخل الحريري عكار من غير بابه، وهو صاحب التاريخ المعروف.. حاملاً وبقسوة على من هم مع الحريري وموجهاً اليهم اتهامات، ليست أقل من »تشهير..«.
وبعيداً عن لهجة الخطاب العنيفة في مواجهة »حزب الله« الذي يتشارك و»المستقبل« في مجلس النواب وفي الحكومة، فهو شريكه في »الحوار الثنائي«.. والواضح ان تشديد الحريري على »دور الاعتدال« من جهة، والتشدد في مواجهة »حزب الله« على خلفية علاقات الأخير الاقليمية مع ايران، ودوره في العديد من دول المنطقة، يكملان بعضهما البعض.. حيث ان غير فريق في لبنان يأخذ على الحزب تفرده في قرارات مصيرية بالغة الأهمية، بل والخطورة، من دون العودة الى شركائه في الوطن، الذين لا بد وان يتحملوا، في أمكنة ما، نتائج ما قد تؤول اليه التطورات..
قد يكون مفهوما، بل ومقبولاً عند البعض ان يتحصن »حزب الله« وبالتنسيق مع الجيش عند الحدود البرية – الشرقية الفاصلة بين لبنان وسورياً، في خطوة ترقى الى مستوى ردع الارهابيين من قبل ان يخرقوا الأراضي اللبنانية، كما حصل في مرات عديدة، لكن ما ليس مقبولاً عند سائر الافرقاء، هو ان يصبح الحزب شريكاً فعلياً على الارض في القتال خارج الأراضي اللبنانية.. وهي مسألة لم تدخل بعد في اطار النقاشات على طاولات الحوار..
الواضح الى الآن، ان الرئيس سعد الحريري، وإذ أغلق الأبواب في وجه عدد من الذين كانوا من المحسوبين عليه، فإنه فتح أبوابه أما كثيرين من الذين كان على خلاف معهم، وتحديداً في الشمال.. وان كان من المبكر الحديث عن نتائج نهائية محتومة، بعد لقائه مجلس بلدية طرابلس المدعوم بغالبيته من قبل (وزير العدل المستقيل) أشرف ريفي، الذي أخذ مسافة عن »المستقبل«، وخصّه الرئيس سعد الحريري كما سائر الذين »أصبحوا فجأة خبراء محلفين برفيق الحريري والحريرية ومبادئها..« برسالة في كلمته من دون ان يذكره بالاسم قائلاً: »يا أخي أنت حر برأيك، ولكن أرجوك حل عن رفيق الحريري وعن المزايدات والعنتريات على بيت الحريري باسم رفيق الحريري..«.
ليس من شك في ان المرحلة الآتية ستكون صعبة، ومليئة بالخيارات وخطاب الرئيس الحريري سيكون مواكباً هذه المرحلة، وقد أثبت وجوده في مخاطبة جمهوره بطريقة لم تخل من الشفافية في العديد من المواقع، أظهرت فارقاً نوعياً بين خطابات الماضي وخطابات الحاضر.. لاسيما وان مخاطبة الجمهور تأتي وجهاً لوجه، وليس من وراء الشاشات العملاقة.. لكن في حسابات كثيرين ان العبرة هي في الآتي من الأيام..
ان انفتاح الحريري على »الذين صوتوا ضدنا« وتعامله معهم مثل الذين صوتوا مع اللائحة التي دعمناها..« ولقاءه الرئيس نجيب ميقاتي وسائر القيادات من الذين لم يكن على تواصل معهم، يعطي فكرة على ان رئيس »المستقبل« يحضر لمرحلة نوعية جديدة من العلاقات السياسية، تلقى ارتياحاً لدى كثيرين، وتلقى انزعاجاً لدى قلة من أمثال النائب الضاهر؟!