إنتهت المرحلة الاولى من الحجر الصحي الجديد بالإقفال العام إجبارياً، بعدما أوصلتنا الدولة إلى هذه الحال المزرية، ولا سيما تفاقم أعداد المصابين بوباء «كوفيد – 19»، وعدد الوفيات المتزايد يوماً بعد يوم، نتيجة عدم وضوح الرؤية والاستراتيجية الواضحة، والقرارات العشوائية المتخذة إفرادياً، بعد الإقفال والفتح، ثم الإقفال والإنتظار، واحتساب عدد المصابين والضحايا من دون أي خطة.
لا شك في أنّ الصحة أولويتنا، والخوف والهلع سائد في كل بيت. وبعدما كان الوباء ضارباً في بعض المناطق، صار موجوداً ومتفشياً في كل حي، ومن ثم في كل شارع، وفي كل مبنى، وكل بيت، وكل عائلة.
ومن الضروري اتخاذ كل الإحتياطات الوقائية الفردية في ظل وجود دولة عاجزة لتقوم بحماية شعبها، وهي متفرّجة تعدّ الإصابات والضحايا فقط لا غير، أو تختلف على كيفية توزيع المساعدات الكاسدة والمرمية في المستودعات، بدلاً من استيراد الدواء لشفاء أبنائها من الوباء، ودعم مستشفياتها لاستيعاب العدد الأكبر من المصابين وبناء مستشفيات ميدانية.
علينا أن نخاف ونتساءل عن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والنقدية الكارثية لمعالجة المشكلة القائمة والشائكة، لا سيما ضمن الإقفال العام وما بعده؟
في ظل البطالة الخانقة حيث تعدّت نحو الـ 40 %، هل تساءل المسؤولون كيف ستُؤمّن هذه العائلات خبزها اليومي من دون أي مساعدة رسمية؟ في الوقت عينه، نُدرك تماماً أن الجزء الأكبر من القوى العاملة تكمن في المهن الحرة، الذين يعتاشون من مدخولهم اليومي، فكيف سيستطيع هؤلاء توفير الحد الادنى من حاجاتهم الأساسية أو الإنسانية؟ علماً أن جزءاً كبيراً من الموظفين الذين لا يزالون يعملون بأعجوبة حتى لو خسروا 50% وأكثر من مدخولهم، من المرجّح أنهم لن يقبضوا رواتبهم أثناء فترة الحجر الإجباري.
هذه الرواتب التي خسرت 75% من قيمتها الشرائية، فكيف سيدفع منها هؤلاء الموظفون ثمن حاجاتهم وإيجارات منازلهم وأقساط مدارس أولادهم وأدويتهم؟ وكيف سيعتاش المودعون الذين هُدرت أموالهم من قبل الدولة، التي أيضاً أطاحت بصحتهم، وهم رهائن حجر أموالهم وحجرهم الذاتي من دون أي أفق؟
أما الشركات في كل القطاعات التجارية، والصناعية، والسياحية، والخدماتية وغيرها، من بعد 18 شهراً من الخسائر المتراكمة، وتجميد حساباتها ومنعها من استيراد السلع والمواد الأولية وغيرها، نُلاحظ أن الدولة اليوم تُجبرها على إقفال أبوابها، فكيف ستدفع كلفتها الثابتة من رواتب وغيرها من مستحقاتها، وحتى ديونها؟
إنه واضح أنّ هناك أياد خفيّة تريد أن تُوجه ضربات قاضية، حتى أن هذه الضربات تضع الشركات في مواجهة بعضها بعضاً، لا سيما بين الدائن والمدين، وبين المستأجر والمالك، وبين المورد والعميل…
أما في موضوع المستشفيات التي هي الركن الأساسي في مواجهة هذا الوباء، كيف تستطيع استيراد الأدوية وصيانة معداتها الطبية، ودفع رواتبها، في حين أن الدولة عاجزة عن أن تُسدد لها مستحقاتها منذ سنوات عدة؟ وحتى لو دفعتها وخسرت أكثر من 75% من قيمتها، فهذه السيولة الوهمية لن تُمكّنها من متابعة رسالتها السامية.
وفي موضوع الجامعات والمدارس نُعيد الأسطوانة عينها، حيث لن تستطيع هذه المؤسسات الوفاء بالتزاماتها التربوية بزيادة كلفتها الثابتة أضعافاً، وفي الوقت ذاته لا تستطيع أن تتقاضى حتى أقساطها الأساسية من دون أي زيادة، إذ إنها تُدرك تماماً أن العائلات لن تستطيع التزام حتى كلفة الأقساط القديمة.
أليس من حقنا أن نتساءل ونذكّر بالخلافات التي تدور حول تسمية الحكومة، وعدد الوزراء وذلك بغية تقاسم الحصص؟ أليس من واجب كل وزير أن يعمل ليلاً ونهاراً في قطاع وزارته المتخصص؟
للأسف، إن عدد الوزراء هو فقط لتوزيع الحصص والمناصب، في حين أن هذا الفريق الكبير ينبغي أن يكون في خدمة شعبه في هذه الأوقات المصيرية.
علينا أن نتساءل أيضاً بعدما هَنّأ السياسيون بعضهم بعضاً بالقانون لاستيراد اللقاحات، هل ستكون هذه الدولة هي نفسها من سيوزّع اللقاحات لكل اللبنانيين، وفي كل المناطق اللبنانية، وبالطريقة ذاتها التي وعدت الدولة بتوزيع الكهرباء 24 ساعة /24 منذ أكثر من 30 عاماً؟ أو ستُوزع اللقاحات مثلما وزعت شبكة المياه الصحية، حيثما حفرت الطرق مرات عدة للأسباب عينها، ومن دون أي نتيجة تُذكر؟ وهي أيضاً ستُوزع اللقاح مثلما وزعت معدّات الإطفاء بغية إطفاء الغابات المحترقة، وقد كانت عاجزة عن صيانتها؟
في المحصّلة، هل نستطيع أن نحلم أو يكون لدينا ثقة بأن الدولة ستُعيد بناء صحة اللبنانيين مثلما بَنت لهم البنى التحتية الوهمية بعد انتهاء الحرب الاهلية؟
في الخلاصة، أملنا الوحيد هو من خلال الرياديين اللبنانيين والقطاع الخاص اللبناني، الذي لم ولن يستسلم، وإذا سُمح له العمل، هو الوحيد القادر على توفير الأدوية واللقاحات وعمليات التلقيح والحماية الصحية مستقلاً، مثلما نَما مستقلاً، عندما كانت الدولة منشغلة بالفساد والصفقات، فيما هو كان ينمو ويُنافس الشركات العالمية.
إنّ دولتنا تُبرهن يوماً بعد يوم أنها من أفشل دول العالم، لكن قطاعنا الخاص اللبناني سيُبرهن مرة أخرى أنه الأنجح في المنطقة والعالم، وأن شعبه وريادييه هم الأكثر مرونة وبطولة.