IMLebanon

ربع قرن على الطائف

في مثل هذا الشهر، منذ ربع قرن ونيّف، اجتمع النواب اللبنانيون في مدينة الطائف السعودية بدعوة من اللجنة العربية الثلاثية المؤلفة من ملكي السعودية والمغرب والرئيس الجزائري. أقر مجلس النواب في آب 1990 تعديل الدستور تبعا لاصلاحات اتفاق الطائف وصدر الدستور الجديد لاحقاً في ايلول. ثم أتت الحرب الدولية على العراق بقيادة اميركية، دخلت فيها سوريا الى جانب واشنطن بعدما اعطيت «مهمة» تنفيذ اتفاق الطائف، فانتخبت في ما بعد رؤساء للجمهورية وشكلت حكومات واجرت انتخابات نيابية ونفت واعتقلت وأقصت معظم القوى المارونية السياسية وزعمائها.

وبالرغم من ان انتهاء عهد الوصاية السورية عام 2005 اعاد اللعبة السياسية الى اللبنانيين، غير ان لبنان لم يشهد مذذاك الاستقرار والامن والبحبوحة الاقتصادية. وتواجه المؤسسات الدستورية اليوم شللاً يتفاقم في ظل الانقسام العمودي المتقاطع مع الصراع الاقليمي الحاد، ما ادى بالآليات الدستورية والتنظيمية الحالية الى العجز عن حسم القضايا العالقة، وابقاء الصراع تحت سقف المصلحة الوطنية.

منذ عام 2005 سجلت كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية فترات انسداد وشغور وعجز عن الانتاج لم تعرفه سنوات الحرب اللبنانية. أقفل مجلس النواب مرات، وطال تشكيل الحكومات اشهرا ووقع الشغور في سدة الرئاسة مرتين، ومدد النواب ولايتهم مرة (والثانية على الطريق) بعدما فشلوا في الاتفاق على قانون جديد وعصري للانتخابات. وعندما كانت المؤسسات كلها مكتملة العقد ساد التعطيل المتبادل العمل الوزاري والنيابي من داخل المؤسسات.

يعود هذا المشهد في جزء كبير منه الى عجز الآليات الدستورية، خصوصا تلك التي اوجدها اتفاق الطائف في التعامل مع مرحلة ما بعد انتهاء عهد الوصاية السورية على لبنان، ومعها غياب المرجعية الحاسمة للخلافات في الدستور التي تجسدت وقتذاك بالمرجعية الامنية للوصاية السورية. وكانت رئاسة الجمهورية شكلت قبل اتفاق الطائف المرجعية الدستورية الحاسمة في ادارة شؤون الدولة. تدل هذه الثغرات على ان اتفاق الطائف اغفل الحاجة الى تدابير لحسم الخلافات بين السلطات وفيها.

ان اتفاق الطائف، بروحية تعزيز المشاركة بين المسيحيين والمسلمين لإنهاء حرب 1975 ـ 1990، نقل السلطة التنفيذية الى مجلس الوزراء مجتمعاً. لم تحتط تغيرات الطائف للصراع السني ـ الشيعي الذي ظهر في العقد السابق وتفاقم بعد انتهاء عهد الوصاية السورية عام 2005. واغفل اتفاق الطائف، كذلك، التناقض الواضح بين الفقرة «ي» في مقدمة الدستور التي تشدد على ان «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»، والفقرة «5» من المادة 65 التي تنص على ان «يتخذ مجلس الوزراء قراراته توافقياً، فإذا تعذر ذلك فبالتصويت».

الى ذلك كله، لم تتفق القوى السياسية على قانونٍ جديدٍ للانتخابات النيابية يسمح لاكثرية نيابية بان تحكم واقلية بان تعارض. ان كل القوانين الانتخابية التي صدرت بعد الطائف، ومن ضمنها العودة الى قانون 1960، سمحت باطباق قوة سياسية واحدة على تمثيل كل من الطوائف الاسلامية، وغيبت كذلك التنافس الصحيح والتمثيل المحق للطوائف المسيحية.

كذلك، زاد اشتداد الصراع الدائر في المنطقة والتوسع في تفسير الفقرة «ي» من الدستور ليشمل التجاذب السني ـ الشيعي، اضافة الى التجاذب الاسلامي المسيحي التقليدي، من حدة ازمة الحكم هذه، وباتت الدولة معلقة اكثر من اي وقت مضى على حبال التسويات الاقليمية، وأمسى الشلل وامكان انتقال الصراع الى الشارع لازمة للمشهد السياسي بعد انتهاء الوصاية السورية.

ازاء هذه المعطيات، ينظم مركز عصام فارس مؤتمراً يهدف الى الافساح في المجال امام المسؤولين والناشطين السياسيين لتدارس هذه المشاكل العالقة وغيرها التي تنخر في صميم النظام السياسي، ومن ثم التوصل الى مقاربات وسياسات ملموسة لمعالجتها. ان تمسك معظم اللبنانيين باصلاحات اتفاق الطائف يتطلب العمل المشترك لايجاد الحلول لأزمة الحكم المتلازمة مع هذا الاتفاق.

ان اهم ما يمكن عمله هو الاتفاق على قانون انتخابات يوقف احتكار الاحزاب والتكتلات تمثيل اي من الطوائف في مجلس النواب. ان قانوناً عصرياً للانتخابات يأخذ في الاعتبار التعددية الطائفية والمذهبية والسياسية في لبنان قد يساهم في ايجاد الحلول للأزمات السياسية المتكررة. قانون كهذا قد يسمح بنشوء اكثرية نيابية تحكم وأقلية تعارض، وقد يحل ايضاً معضلة الشغور الرئاسي في حال قيام تكتلات نيابية وسطية تساهم في انتهاء الانقسام السياسي العمودي.