يتوقع ان تتحرك العجلة الحكومية في الايام المقبلة، في ضوء شبه اتفاق على اعادة العمل بالجلسات الحكومية عبر الاستمرار في الآلية المعمول بها، مع تعديل في ادارة الجلسات
يتوقع ان تستأنف الاسبوع المقبل جلسات مجلس الوزراء، بحسب ما تشير إليه اوساط وزارية مطلعة، بعدما بات من المؤكد ان توقيف اعماله لم يؤت الثمار المرجوة. ثمة خلاصات انتهت اليها الاسابيع الماضية، بغض النظر عن النقاش حول المواد الدستورية وقانونية ما يحصل على طاولة مجلس الوزراء والمواد التي يحتكم اليها الخبراء الدستوريون في الآليات الواجب اتباعها.
الخلاصة الأولى التي ادت إليها الاتصالات التي قادها المعنيون الرئيسيون بتأليف الحكومة وديمومتها، ان لا مفر من العودة الى الصيغة الاولية التي نشأت بعد الفراغ الرئاسي بحكم الامر الواقع، وكان يمكن ان تنجح لولا اداء بعض الوزراء، وتحديدا وزراء الكتائب. لكن الممارسة الفعلية، على مدى اشهر، اظهرت ان بعض الوزراء (ومعظمهم مسيحيون) عرقلوا عمل الحكومة، اذ ذهبوا في اعتراضاتهم الى الحد الأقصى، بما في ذلك على بنود لم تكن لتلفت انتباه احد، كالهبات التي تمنح للوزارات والسفر وبنود وظيفية اقل من عادية. وقد اعتقد رئيس الحكومة تمام سلام، حين رفع اعمال مجلس الوزراء، انه سيحدث صدمة ايجابية لدى القوى السياسية ويضع الجميع امام مسؤولياتهم، معبراً عن اعتراضه على تصرفات الوزراء الحزبيين وعلى ادائهم «التعطيلي» في الجلسات، وأمثلته في ذلك كثيرة.
لم تتمكن اي
صيغة جديدة من تحقيق اجماع عليها
لكن رفع الجلسات اعاد طرح ملف الرئاسة من بابه العريض، وفتح بالباب أمام المكونات المسيحية الاساسية في الحكومة لإظهار حرصها على بحث الآليات التي يمكن ان تسمح باستكمال العمل الحكومي من دون المساس بموقع رئاسة الجمهورية.
برغم الصولات والجولات الدستورية، لم تتمكن اي صيغة جديدة من تحقيق اجماع عليها. وكان يمكن للاتفاق الذي توصل اليه الرئيس سعد الحريري مع العماد ميشال عون في ابتداع صيغة تزاوج بين التصويت والتوافق بحسب البنود واهميتها، أن يمثل خرقا في الجمود الحاصل ومحاولة جدية لاستمرار عمل الحكومة من دون مطبات، ما دام الجميع يسلم بأن سقف كل الاعتراضات سيبقى دون التهديد بوجود الحكومة، حتى ان عون حين اعترض على اداء وزير الدفاع سمير مقبل حصر موقفه بالوزير من دون تعريض الحكومة للخطر.
لكن الحركة التي قادها الرئيس ميشال سليمان مع مجموعة من وزرائه، وانضم اليها وزراء الكتائب ومستقلون (برغم تأكيدات احد المقربين من الوزير ميشال فرعون انه لن يقبل الانضمام اليهم) فرملت الاندفاعة الجديدة التي قادها المستقبل وعون، ولم يكن الرئيس نبيه بري وحزب الله ليعترضا عليها.
اثار الاجتماع الوزاري في منزل سليمان ومن ثم الجميل «نقزة» المستقبل والرئيس سلام. لا يريد رئيس الحكومة «بلوكات» وزارية ولا حكومات ظل داخل حكومته، فيما لا ينظر المستقبل بارتياح الى حركة الكتائب والرئيس السابق للجمهورية. وثمة اوساط في قوى 14 آذار تتحدث عن استياء الحريري من الجميل في خطوته الحكومية المتعثرة، ولا سيما ان المستقبل يرى انه هو، لا سليمان، من اعطى الكتائب ثلاثة وزراء اثناء مفاوضاته لتأليف الحكومة. ولا مصلحة حاليا للمستقبل، الساعي الى ترتيب الاوضاع الداخلية وتهدئتها، في تموضع الكتائب مع الرئيس السابق الذي «يفتش عن دور له» لزعزعة عمل الحكومة تحت اي شعار.
وكذلك فان الصيغة التي طرحت باعتماد التوافق بين ممثلي الكتل السياسية لم تلاق ايضا ارتياحا، اذ ان هذه الصيغة ستخلق نوعا «من مجلس قيادة وزاري» لا تقبله اكثرية الاطراف المشاركة في الحكومة.
وقد ادت اتصالات الايام الاخيرة، وجوجلة كل الاقتراحات الدستورية، إلى تسليم الجميع بأن الصيغة التي اعتمدت حتى الان هي الفضلى، لكنها تحتاج الى «رتوش»، تكمن في تغيير اداء سلام وادارته للجلسات الحكومية وامساكه بزمام الامور. يصر سلام في كل الجلسات الحكومية على استهلالها بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، وفي هذا الاصرار، تأكيد من رئيس الحكومة على انه لا يريد تخطي دور رئيس الجمهورية، لكنه يريد ايضا تسيير عجلة الحكومة. وفق ذلك، يفترض ان نشهد من الآن وصاعداً تغييرا في آلية العمل الحكومي، بحيث يجري التوافق على القضايا الاساسية التي تحتاج الى تفاهم بين فريق 8 و14 آذار والمكوّنات الاساسية، وهي مواضيع وطنية وسياسية لا يمكن ان تقرّ في مجلس الوزراء الا بالتوافق عليها. لكن هذا الامر يفترض ان «يشد رئيس الحكومة همته اكثر»، ويعتمد ادارة حازمة للجلسات ولا سيما في تسيير البنود العادية، حتى لو لاقت اعتراض وزير من هنا ووزير من هناك. اذ لا يجوز ان تتعطل الحكومة عند اعتراض وزير ما على شق طريق او على هبة او على نقل اعتماد، بل سيكون الاعتراض مقبولا بحجم البند والقضية المطروحة على جدول اعمال مجلس الوزراء، لا اكثر.
قد تحظى هذه الانطلاقة باعتراض بعض المسيحيين الذين يرون معنوياً ان الالية المعدلة قد تضرب تركيبة الاربعة والعشرين رئيسا، ومفهوم الحفاظ على موقع رئاسة الجمهورية بدل تهميشه. لكن مسؤولية الفراغ الرئاسي لا تقع على رئيس الحكومة، الذي يفترض ان يحافظ على تركيبتها وادائها، والرهان يبقى على دوره وفاعليته في اعادة تسيير عملها، ما دام يحظى بتغطية من الاطراف الاساسيين، ومنهم المسيحيون، لديمومة الحكومة، ما دامت انتخابات رئاسة الجمهورية معطلة حتى اشعار آخر.