سؤال أميركي عن الاتفاق النووي: لماذا يتوجّس «الأصدقاء العرب»..؟
بقلم صلاح سلام
مِن حقّ العرب أن يستقبلوا الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأميركية والمجموعة الأوروبية، وإيران، بكثير من الحذر، متوجسين قلقاً من مفاعيل هذا الاتفاق، وتداعيات بنوده على الوضع الإقليمي المُلتهب، بالنيران الإيرانية المشتعلة في سوريا والعراق واليمن!
ومِن نافل القول أن معظم العرب لم يعودوا يطمئنون إلى الوعود الأميركية المخادعة، ولا إلى كلام المسؤولين الأميركيين المعسول، تجاه الحلفاء العرب، في وقت تؤكد الوقائع على الأرض أن التصريحات المعلنة في وادٍ، والصفقات السرية، وما تحتويه من مخططات خبيثة، في وادٍ آخر!
لا بدّ من الاعتراف بأن ثمة أزمة ثقة بدأت تشوب العلاقات الأميركية، مع أقرب الحلفاء العرب، وأن استمرار التعاطي الأميركي على المنوال الحالي، من شأنه أن يوصل العلاقات التاريخية بين واشنطن والدول الخليجية إلى مفترق خطر، تتزاحم فيه التحديات مع الاستراتيجيات!
ليس دقيقاً الكلام الذي زعم أصحابه أن واشنطن كانت تُطلع حلفاءها العرب تباعاً على تفاصيل المفاوضات، وما كان يعترضها من عُقد وصعوبات. بل كان الهدف الثابت للإدارة الأميركية ودبلوماسيتها الحالية، هو التوصّل إلى اتفاق مع إيران حول الملف النووي، ولو اقتضى الأمر تقديم بعض التنازلات!
* * *
على الجانب الآخر للمحيط الأطلسي، ثمة من يسأل في واشنطن: لماذا يتوجس الأصدقاء العرب من الاتفاق النووي مع إيران؟
ويدافع صاحب السؤال عن «الاتفاق التاريخي» مع طهران، عبر النقاط التالية:
1 – حققت الإدارة الأميركية هدفاً مزدوجاً لافتاً: احتواء مخاوف الأصدقاء العرب من النشاط النووي الإيراني، وفي الوقت نفسه تمّ إقفال الأبواب أمام إيران لدخول النادي النووي.
2 – إنهاء خصومة سياسية وأمنية معقدة مع طهران، بدأت منذ احتلال السفارة الأميركية في العاصمة الإيرانية أواخر السبعينات من القرن الماضي، وأدت إلى إشاعة التوترات والاضطرابات في الإقليم!
3 – الاتفاق يتيح عودة إيران إلى المنظومة الدولية، التي اعترفت، ولأول مرّة منذ عام 1979، بنظام الملالي في طهران، مما يعني ضرورة التزام الأخيرة بقرارات الشرعية الدولية، في القضايا الإقليمية والدولية التي تشغل عواصم القرار.
4 – بنود الاتفاق لا تتعارض مع التزام واشنطن في الدفاع عن الحلفاء العرب، في حال تعرّض أي بلد منهم للخطر، واستمرار تأمين كل ما يحتاجونه من أسلحة ومعدات، وفق الاتفاقيات المعقودة معهم.
* * *
ولكن ما لم يقله المسؤول الأميركي، يجري التداول به في دوائر الإدارة الأميركية، وأروقة الكونغرس، وخلاصته أن المفاوضات الطويلة والمعقدة، كشفت عن وجود لوبي إيراني في واشنطن، واجهته مجلس العلاقات الأميركية – الإيرانية برئاسة السياسي تريدا بارسي، ويضم كتّاباً وإعلاميين، وأصحاب مصارف وشركات مقاولات، ومؤسسات صناعية ضخمة، عملوا وضغطوا لمصلحة التوصّل إلى اتفاق، وتقديم تنازلات لطهران تحت شعار الحرص على المصالح الأميركية، عبر تطبيع العلاقات مع إيران.
وخاض فريق اللوبي الإيراني معارك إعلامية ركزت على اعتبار أن المصالح الأميركية تقضي بإنهاء الخصومة وإقامة أفضل العلاقات مع إيران، وما تحتويه من فرص اقتصادية هائلة، بعد سنوات طويلة من الحصار والعقوبات الاقتصادية.
أما الصراع العربي – الإيراني المحتدم حالياً في أكثر من بلد في المنطقة، فيبقى شأناً إقليمياً، لا يؤثر في زعزعة النظام الدولي الحالي، وبالتالي على العرب أن يجدوا الحلول المناسبة للأزمات المتوترة مع الايرانيين! (كذا…).
واعتبرت الحملة الإعلامية التي قادها اللوبي الإيراني في واشنطن أن التدخل الإيراني في سوريا والعراق واليمن له ما يبرره، لأن طهران تشارك في المجهود الدولي ضد الإرهاب، والجنرال الإيراني قاسم سليماني يقود المعارك على الأرض ضد «داعش» والتنظيمات المتطرفة الأخرى!
وتبقى معركة هذا اللوبي، الحديث النشأة، مع الكونغرس الأميركي، حيث تدور معركة قاسية بين أوباما والأكثرية الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ، حول الاتفاق مع إيران، حيث يسعى المعارضون للحصول على ثلثي أصوات المجلسين لإسقاط سلطة سيّد البيت الأبيض في إبرام الاتفاق بمعزل عن موقف مجلسي النواب والشيوخ المعارض!
* * *
ولكن التساؤلات، التي تشغلنا في لبنان، وتقلق دوائر القرار العربي ما زالت ترسم علامات استفهام كبيرة، وتفاقم الغموض المحيط بالاتفاق مع إيران.
وهذا بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
– هل ستتحول إيران إلى عنصر استقرار في المنطقة، بعدما لعبت دور المفجّر للتناقضات والصراعات؟
– كيف ستتصرف طهران مع الجيران العرب: دولة مهمة ومهتمة بعلاقات حسن الجوار، أم «الدولة المهمة الوحيدة» في الإقليم، على نحو ما سمعه الأخضر الإبراهيمي من المسؤولين الإيرانيين عام 2013، وتعمل على فرض خياراتها على الجميع؟
– هل رفع العقوبات وتسييل المليارات لإيران مشروط باستخدام الأموال في التنمية الداخلية بعد طول حصار، أم ستكون فرصة لزيادة تمويل الاختراقات الإيرانية في الجسم العربي؟
الإمام الخامنئي أجاب في خطبة العيد على التساؤل الأخير: «إيران لن تتوقف عن تقديم الدعم لشعوب اليمن وسوريا والعراق، وللمجاهدين في لبنان وفلسطين..!».
هل يكفي هذا الكلام لإدراك مبررات «النقزة» العربية من الاتفاق النووي مع إيران؟!